اختتمت، أمس بقصر الثقافة الجديد بإمامة، أشغال الملتقى الدولي ''تلمسان ونواحيها في الحركة الوطنية وثورة التحرير، من هجرة 1911 إلى ,''1962 المنظّم من قبل جامعة ''أبو بكر بلقايد'' بتلمسان بالتعاون مع المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ، علم الإنسان والتاريخ، وذلك تحت لواء ''تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية''. الملتقى الذي دام ثلاثة أيام، اعتبره المشاركون من داخل وخارج الوطن مساهمة في كتابة تاريخ الحركة الوطنية والثورة التحريرية، إذ ركّز على الدور الأساسي الذي لعبته ''المدينة/الحاضرة'' كنقطة مرجعية ونموذج انتماء وتميّز، إلى جانب العودة إلى مراجعة وإتمام ومناقشة كل ما له صلة بهذه الفترة الطويلة المتعلّقة بتكوّن وتجذّر الحركة الوطنية وإعادة التشكيلات الاجتماعية عبر تواصلاتها وتقطّعاتها وميكانيزمات بناء الفكرة الوطنية، كما ''يسمح هذا الملتقى بإبراز جوانب غير معروفة تماما أو بشكل غير كافٍ، كون العديد من الفاعلين في الثورة التحريرية قد توفوا آخذين معهم أسرارهم وبالتالي يجد الباحثون والمؤرخون صعوبات في كتابة التاريخ المعاصر للجزائر". وفي تصريح ل (وأج) أوضح السيد لمقامي محمد، الذي كان أمين المنطقة الأولى للولاية الخامسة التاريخية من 1955 إلى ,1958 أنّ هذا اللقاء يسلّط الضوء على الجوانب الثقافية والسياسية قبل وأثناء الثروة التحريرية، وأشار إلى أنّ تلمسان لم تقبل أبدا بالاستعمار وأن أبناءها على غرار مصالي الحاج والرائد جابر والعقيد لطفي أدوا أدوارا هامة قبل وأثناء الكفاح المسلح. من جانبه؛ أكّد المؤرّخ الفرنسي جيلبير مينيي على أهمية إقامة هذا المؤتمر الذي يسمح بتبادل وجهات نظر الباحثين من مختلف الجنسيات حول مسألة تاريخ حرب التحرير بالجزائر والحركة الوطنية و''التقريب بين المؤرّخين المهتمين بهذا الموضوع الذين لا يعرفون بعضهم بعض إلاّ من خلال أعمالهم وكتاباتهم''، وتطرق إلى ''مشكل الاطلاع على الأرشيف مما يشكّل عقبة كبيرة أمام كتابة التاريخ". وفي مداخلته حول ''دور الهجرة ولا سيما من تلمسان ومنطقتها في الكفاح من أجل استقلال الجزائر'' أبرز المؤرخ الفرنسي جيل مانسيرون دور فدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا، إذ أوضح أنّ هذه المهمة قد تجسّدت من خلال اجتماعات واتصالات مع الحركة النقابية، حيث كانت بمثابة جواب سياسي للقمع الممارس من طرف فرنسا، وذكر في هذا السياق بأنّ هذه الفدرالية كانت مهيكلة بشكل جيد وعلى رأسها لجنة من العقلاء من بينهم عثمان بن قلفاط ابن تلمسان، كما تطرق إلى الدور الذي لعبه أبو بكر بلقايد عام 1960 بفرنسا في التنسيق بين مجموعة المحامين المكلّفين بالدفاع عن المعتقلين الجزائريين. من جهتها؛ عالجت المختصة في العلوم السياسية لعلامي فاتاس فريال من الجزائر الإنزال الأمريكي لسنة 1942 بالجزائر العاصمة الذي كان له ''تأثير في تصلب الحركة الإصلاحية الوطنية'' في خضم ''موجة التحرر التي جاء بها الأمريكيون الذين وقعوا في 1941 على ميثاق الأطلسي''، وفي محاضرته حول''المدرسة وتلاميذها في إيقاظ الحركة الوطنية''؛ ركّز الأستاذ الجزائري خطاوي محمد على إسهام هذه المؤسسات في بروز شخصيات باسلة في الثورة التحريرية وكذا إطارات كبار بعد الاستقلال. كما تطرق الأستاذ الباحث في المركز الوطني للبحث في الأثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية لوهران قناوو مصطفى إلى مساهمة ناحية ''عين الحوت'' المسماة أيضا ''القاهرة'' خلال الثورة التحريرية في الكفاح من أجل استرجاع السيادة الوطنية، وأوضح أنّه بالإضافة إلى مشاركتهم في هجرة 1911 تعبيرا عن ''رفض الاستعمار'' قام سكان هذه القرية الواقعة على بعد 8 كلم عن تلمسان بالعديد من العمليات المسلحة ضد المستعمر. من جانبه؛ تحدّث الأستاذ مصطفى عوامري عن ''نشاط حزب الشعب الجزائريبتلمسان خلال الحرب العالمية الثانية''، حيث سلّط بعض الأضواء على نشاط الحزب وكيفية استمراره في ظلّ حالة الطوارئ والأحكام الاستثنائية، كما تناول النشاط السري الحذر لحزب الشعب الجزائري مع بداية الحرب العالمية الثانية بهذه المنطقة، ثمّ محاولة تجديد النشاط الوطني وأساليبه في عهد حكومة فيشي وكيفية تأقلم عناصر الحزب وتكيّفهم مع ظروف الحرب الصعبة والعمل على فكّ الحصار المضروب عليهم بعد نزول الحلفاء بالجزائر في نوفمبر .1942 وفي الوقت الذي استعرض فيه الأستاذ بلقاسم بومديني موضوع ''الرواية الشعبية لثورة التحرير الجزائرية من خلال أغاني النساء بمنطقة عين غرابة بولاية تلمسان''، حيث تطرّق إلى ما قيل من ألغاز، حكايات، أمثال، أغاني أعراس وأغاني المواسم الدينية وغيرها من أشكال التعبير البسيطة التي تعتبر الذاكرة الحية القادرة على حفظ الموروث الشعبي لأي مجتمع مهما تباينت الأزمنة والأمكنة، توقّف الأستاذ شايب مغنونيف عند ''الشعر الشعبي الجزائري ومجازر ماي 1945 بالقطاع الوهراني''، حيث أكّد أنّ صور هذه المجازر في الذاكرة الشعبية بعامة والشعر منها بخاصة أكثر نصاعة وحضورا ممّا دوّنته أقلام الباحثين والمؤرّخين، ''ذلك أنّ الذاكرة الشعبية نقلت بواقعية متناهية ما تعرّض له الشعب الجزائري طيلة شهر ماي ,1945 وفي مختلف ربوع الوطن شرقا وغربا، من إبادة جماعية وتقتيل في منتهى الهمجية والعدوانية بسبب احتفاله بانتهاء الحرب العالمية الثانية بهزيمة ألمانيا وانتصار الحلفاء ومطالبا بالحرية والاستقلال''. وقدّم الأستاذ عبد المجيد بوجلة لمحة عن ''الهجرة الجزائرية إلى الديار المشرقية خلال المرحلة الاستعمارية، قراءة في الدوافع والانعكاسات''، إذ أوضح أنّ هذه الهجرة جاءت ردا على المظالم الاستعمارية ورفضا للتجنيد الإجباري الذي ميّز السياسة الاستعمارية بعد اتّضاح العجز العسكري لفرنسا في حروبها الخارجية وحملاتها المتكرّرة، ليسعى الأستاذ رشيد يشوتي في مداخلته ''تلمسان والثورات بالمغرب في بداية القرن العشرين'' إلى التعريف ببعض الأدوار التاريخية والشخصيات التلمسانية التي شاركت في مجموعة من الثورات والحروب التحريرية التي اندلعت في وجه المحتل الإسباني لمناطق الريف وشمال المغرب في بداية القرن العشرين، لا سيما الثورة التحريرية التي قادها محمد بن عبد الكريم الخطابي (1921-1926) والذي اتّخذ من مدينة تلمسان منطقة خلفية لتدعيم ثورته. المشاركون في ملتقى''تلمسان ونواحيها في الحركة الوطنية وثورة التحرير، من هجرة 1911 إلى ,''1962 قدموا من قسنطينة، تلمسان، وهران، الجزائر العاصمة، سيدي بلعباس، وكذا مستغانم، المسيلة ومعسكر، إضافة إلى المغرب، تونس، فرنسا والمجر، عكفوا طوال ثلاثة أيام على مناقشة ثلاثة محاور أساسية تتعلّق ب''من وضعية التراجع إلى التحرّر السياسي، تلمسان ونواحيها بين 1911 و,''1939 ''سنوات الأربعينيات والخمسينيات، حول آثار الحرب العالمية الثانية وتجذّر النضال'' و''ثورة التحرير الوطني''.