احتضنت قاعة المحاضرات بفندق السفير في إطار الندوة التي ينظمها اتحاد الكتاب الجزائريين الخاصة بدورة الأمانة العامة لاتحاد الكتاب والأدباء العرب في يومها الثاني الجلسة العلمية الثالثة (محمد الشبوكي) والتي ناقش فيها المتدخلون أول أمس ''تجليات الخطاب الشعري الجزائري المعاصر'' أمام جمهور قليل من الصحفيين والأساتذة المحاضرين في الوقت الذي كان الأدباء والكتاب العرب في جلسة مغلقة بذات الفندق. ترأس الجلسة العلمية الثالثة لورشة ''تجليات الخطاب الشعري المعاصر'' الدكتور صبحي سعيد قضيماتي من سوريا وكان أول متدخل في هذه الجلسة العلمية الدكتور سعيد بوسقطة من جامعة عنابة في مداخلة تحت عنوان ''شعرية المكان في النص الشعري الجزائري المعاصر عبد الحميد شكيل وعثمان لوصيف نموذجا''، حيث رأى المحاضر أن المكان عند شكيل يشبه المكان عند السياب، حيث يتحول المكان من طبيعي إلى انزياحي ابداعي وتتحول الأمكنة إلى أشياء متحركة، بل أصبحت شعرية المكان عملية إنسانية يحاورها الشاعر ويتكلم معها القرية أصبحت في شعره مطبوعة بطابع الإنسان حيث أصبغ الشاعر على قريته نوعا من القداسة والأسطرة عندما يتحدث عن مدينة القل التي يجعل لها رقيبين سيدي عاشور وسيدي الكوفي وهما جبلان يطلان على مدينة القل، كما نجد في هذا الشعر الصراع بين المدينة والقرية، المدينة التي نعاني منها إلا أننا نعشقها ''عنابة'' بونة بكل شوارعها وأزقتها وشواطئها، وقد يدخل عليها الشاعر الزسماء القديمة ''بونة'' و''الحمراء'' و''هيبون'' أسماء لها بعدها التاريخي ليخلق نوعا من التواصل مع القديم أو بما يسمى ''التناص'' خصوصا التناص الديني، حيث يقول عبد الحميد شكيل ''في سوانا ضيعت بوصلتي'': أقمت للطير الوارد عشافي سقفي البوفي في ''سوانا'' رأيت القل في سوانا صليت صلاتي الأولى سبحت لله كثيرا في سوانا تبدأ رحلتها الأكون في سوانا ينهض السمليل''. المداخلة الثانية كانت للأستاذ عبد العليم بوفاتح من جامعة الأغواط تحت عنوان ''بناء القصيدة وروافدها في الشعر الجزائري المعاصر''، حيث رأى أن الشعر اعتمد على نمط القصيدة وعلى تشكلها وعلى إيقاعها، من حيث الروافد فهي ترتكز على روافد الثورة وروافد القضية الوطنية والعربية، حيث نجد القصيدة الجزائرية كمثيلتها العربية قديما وحديثا منذ عشرينيات القرن الماضي عند الشعراء الجزائريين رمضان حمود، أبو القاسم سعد الله، أبو القاسم خمار أي القصيدة العمودية، حيث بدأ بعدها يتجلى في القصيدة الحرة قصيدة السياب أو نازك الملائكة القصيدة الحرة ''التفعيلة'' وهذا عند شعراء ما بعد الثورة عند عبد العالي رزاقي، حمري بحري، عبد الحميد شكيل، أما في السنوات الأخيرة ومع جيل الشباب، فيمكننا القول إنه تم التأسيس لنظرة شعرية جزائرية لها خصوصياتها، ''القصيدة النثرية'' التي تتحرر من التفعيلة وتعتمد على الإيقاعات داخل النص الشعري. أما من حيث النمط فقد قسم المحاضر الشعراء إلى ثلاث فئات، فئة الشعر العمودي (زكريا ومحمد العيد)، القصيدة الحرة (عبد العالي زراقي، سليمان جوادي) والقصيدة النثرية (عند عبد الحميد بن هدو?ة وربيعة جلطي)، بينما هناك فئة رابعة اشتغلت على القصيدة العمودية والحرة كما نجدها عند ميهوبي ومصطفى الغماري. أما من ناحية التشكيل فيرى المتدخل أن القصيدة الجزائرية المعاصرة غدت حسب الاختيارات والأحداث تعبر عن الذاتية لدى الشعراء والتي تعتمد على القراءات المتعددة للنص أو القراءة المتأولة حيث ترتكز على الأداء أي الإيقاع. أما الدكتور محمد كعوان (أستاذ بالمدرسة العليا للأساتذة بمدينة قسنطينة) فقد تناول في مداخلته موضوع ''ظاهرة الموت في الشعر الجزائري المعاصر''، حيث لاحظ المتدخل أن هناك في الشعر الجزائري مقاطع مأساوية تتناول الموت باعتباره ظاهرة شغلت الإنسان منذ تواجده على الأرض حيث شملت تفكير الإنسان في الأساطير القديمة وراح يبحث له عن الانتصار على الموت وذلك عن طريق التجدد والبعث من ملحمة قلقامش إلى الشعر العربي القديم الذي تجلى في الانتصار على الموت عن طريق الفروسية، كما أن الموت أصبح وسيلة للاتحاد والتلاشي في المحبوب بنظرة صوفية ونجده في الشعر العذري. واختار المحاضر نماذج لشعراء انتحروا مثل الشاعر امبارك جلواح الذي قيل إنه انتحر في نهر السين بفرنسا، عبد الله بوخالفة، صفية كنو، صالح زايد، فروق سميرة، وهناك قصيدة ترثى بختي بن عودي تحت عنوان ''ما الذي للفراشة أن تحمله؟'' وقصيدة ''طائر الشعر شاعر وشراع'' التي تقول: ''جئت من أين؟ كيف جئت؟ ولماذا؟ إني راحل يا رفاق الهموم فاكتبوا حزنكم في بياض السديم لم يعد لي سوى وطن من نواح أخي كان لي قمر في البطاح''. وقصيدة ''التعب'' التي تقول: ''وأدركت أن لا يجيء النهار'' وقصيدة أخرى ''بيان الغياب'' التي يقول فيها الشاعر: ''وداعا وهذا بيان الغياب وهذا أنا ذاهب في الذهاب سراب هو الشعر يا أصدقائي ودنيا الحضور سراب... سراب'' مداخلة الدكتور طارق ثابت من جامعة أم البواقي تناولت ''بنية الخطاب في شعر أحمد الطيب معاش'' لتنهي الجلسة العلمية ''تجليات الخطاب الشعري المعاصر'' بفتح باب المناقشة وبإلقاء قصيدة جميلة من قبل الشاعرة الناشئة لطيفة حسان من بسكرة.