دعا السيد رشيد حراوبية وزير التعليم العالي والبحث العلمي أساتذة الجامعة للعمل على غرس ثقافة الاعتدال في الفكر وتكوين كفاءات مسؤولة لمحاربة الاضطرابات السلوكية المؤدية إلى التطرف الذي غالبا ما تكون له انعكاسات سلبية على المجتمع، مؤكدا أن إنتاج الفكر الوسطي المعتدل هو السبيل الأنجع للتصدي لهذه الظاهرة التي باتت تشكل مصدر قلق للعديد من المجتمعات. وأوضح السيد حراوبية أن التطرف ليس وليد مجتمع معين أو زمن محدد بل هو ظاهرة تعاني منها العديد من المجتمعات كونه عبارة عن اضطراب معرفي وسلوكي نتجت عنه أفكار متطرفة لا يمكن التصدي لها إلا عن طريق الاستثمار في الأفكار والذهنيات وغرس ثقافة الفكر الوسطي لدى الفرد لإبعاده عن الأفكار المتطرفة. وفي كلمة ألقاها بمناسبة افتتاح الملتقى العلمي حول موضوع ''التطرف و''تداعياته في الفكر والدين والسياسة'' أمس بالمدرسة العليا للصحافة ببن عكنون بالجزائر، ألح الوزير على الباحثين والأساتذة والفاعلين في الفضاء الجامعي للسعي لمعرفة الأسباب الظاهرة والخفية التي تقف وراء التطرف في خطوة لإيجاد حلول لها بعيدا عن كل الانعكاسات والانفعالات دون خدش مشاعر الطرف الآخر لجعله يقتنع بأهمية الانفتاح على كل الأفكار وقبول الاعتدال للتعايش في جو سلمي وسط المجتمع. وفي هذا السياق أوضح السيد حراوبية أن مشاكل المجتمع شاملة ولا تقف عند جانب واحد فقط، ومن بين هذه المشاكل مسألة التطرف التي لا ترتبط حتما بالدين بل تتعداه إلى ميادين أخرى تؤثر على تقدم المجتمع وتجعل قنوات الحوار فيه مسدودة. وذكر الوزير بأن اهتمام الجامعة بالتبادل المعرفي سيمكن من رفع قدراتها في إنتاج العلم والاندماج في اقتصاد المعرفة وكذا إرساء دعائم الفكر الرصين الذي يكرس الحوار والتسامح والعيش المشترك، ويتقبل الرأي والرأي الآخر بعيدا عن التطرف والتشنجات الظرفية والسياسية عن طريق إبراز دور العلوم الاجتماعية وفضائل التحلي بالوساطية والاعتدال كقيم أساسية وسلوكات ضابطة في المجتمع. من جهته صرح السيد رابح شريط مدير جامعة الجزائر 3 أن ظاهرة التطرف من الظواهر الاجتماعية ليست معزولة عن أسبابها المتشابكة والمتعددة التي تتداخل فيها الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، السياسية والدينية والثقافية. ومن هنا فإن المعالجة لا تكون من منظور واحد، بل في إطار المقاربة المعتمدة التي تحصر ظاهرة التطرف متعددة الأبعاد. وأجمع المشاركون في هذا الملتقى على أهمية الحوار والتخلي عن الطابوهات في معالجة كل المواضيع وتشجيع الحوار في المجتمع انطلاقا من الأسرة والمدرسة لتكوين مواطنين قادرين على التمييز بين الأمور ومتفهمين للقضايا الخلافية متمكنين من التأقلم مع محيطهم والتعايش مع ما يحيط بهم بعيدا عن التعصب والانغلاق الذي يولد عقدا نفسية تجعل الفرد عنيفا ومنغلقا على نفسه، إلى حد التصرف بعدوانية دفاعا عن الفكر الذي يعتقده، بحيث يكون مستعدا لايذاء كل من لا يشاطره الآراء والمعتقدات. وهو الإطار الذي ألح من خلاله المتدخلون في الملتقى على إلزامية تعزيز الاتصال وتحسيس المجتمع بخطورة هذه الأفكار والتحلي بقيم التسامح وقبول الرأي المخالف للعيش مع الآخر لبناء مجتمع متقدم تسوده قيم التآخي والتسامح بعيدا عن التطرف الذي قد يسبب العنف الذي يؤدي إلى التخلف والحقد، ولمنع استغلال الدين لأمور أخرى تتنافى مع قيمه كونه دين تسامح مصالحة، وأخوة. كما أشار الأساتذة الجامعيون إلى ضرورة شرح ومعالجة التساؤلات الدينية لتوضيح أسس الدين الإسلامي الذي يبقى دين حوار وتآخ وكل القيم السامية النبيلة وليس دين تطرف. مذكرين بدور المؤسسات الديمقراطية في محاربة التطرف الفكري، والمصالحة الوطنية كضرورة اجتماعية. وبالإضافة إلى التطرف الديني توقف المشاركون في الملتقى عند مسألة التطرف السياسي ودور المجتمع المدني والإعلام في محاربة الظاهرة التي قد تنجر عنها أضرار وخيمة على الدولة والفرد وتتسبب في مشاكل سياسية ولا استقرار يولد العنف والحروب.