أكّد الدكتور محمد بن بريكة أنّ واقع المخطوطات في الجزائر ينتظره مصير مأساوي، إن لم تسارع الوصاية لحمايته عبر آليات قانونية ودعم البحوث والدراسات ماديا، كاشفا أنّ البلاد تزخر بإرث ضخم من المخطوطات القديمة في مختلف العلوم الفقهية لم تحظ بالعناية اللازمة، إذ أنّه تمّ طبع وتحقيق ما نسبته1 بالمائة فقط من المجموع الكلي لهذا الكنز المعرفي الفريد. أفاد الدكتور محمد بن بريكة الذي قدّم مداخلة على هامش المعرض الوطني الثامن للكتاب بقصر المعارض بالعاصمة، عنوانها ''خريطة المخطوط الصوفي في الخزائن الجزائرية''، أنّ دراسات عربية ووسائط إعلامية أجنبية تنسب العديد من المخطوطات الجزائرية إلى دول مجاورة، وأكّد في هذا السياق، أنّ تحقيقات مصرية ولبنانية تحمل العديد منها مغالطات وأصحّها الموجودة في الجزائر، ولكن لا يعتمد بها بسبب فرض بعض الأطراف الدينية لفكرة تكفير هذه المخطوطات. وأوضح أنّ هناك خزانات جزائرية كبيرة في مجال التصوّف وهو تراث كبير، وتأسّف لكون السلطات المعنية لا تهتم بطباعتها، على عكس الدول المشرقية التي تعيره كامل اهتمامها، بالإضافة إلى عدم وجود آليات قانونية من شأنها أن تحمي وتحافظ على الموروث العلمي، وأشار متأسّفا كون قيمة المخطوط تساوي تكلفة تنظيم حفل فني ساهر، إلاّ أنّ المخطوطات لا تدعم ماديا. وأعطى السيد بن بريكة لمحة عن أهم خزائن المخطوطات الموجودة في الجزائر، واستهل بالتي كانت موجودة بتمنراست، ويتعلّق الأمر بخزانة المخطوطات الكنتية لصاحبها سيدي محمد المختار الكنتي الكبير، حيث انتشرت الطريقة الكنتية فوصلت إلى شمال مالي ونقلت بالتحديد إلى مدينة غاو، إلاّ أنّ سيلا ضرب المنطقة فأتلف الآلاف منها، وأضاف أنّ السيّاح الأجانب قاموا بسلب العديد من المخطوطات من الخزانات الموجودة بالمنطقة، ومنها ما هو موجود بالمتاحف الفرنسية، الشيء الذي يشكّل خطرا على الذاكرة المحلية. واسترسل في حديثه أنّ ثلث سكان تمنراست ينتمون إلى الطريقة الصوفية الكنتية ويشكّلون لحمة واحدة، مشيرا إلى أنّ الحضور الروحي يجعل البلاد في مأمن وبمنأى عن الزوابع التي تحدث، ومعظم المشاكل التي حدثت تمّ حلّها عن طريق الزوايا والطرق الصوفية، من خلال نشر التربية الروحية والتصوّف الروحي، وفي تمنراست يوجد عن أهل بكاي 4 آلاف مخطوط، كما أنّ عددا كبيرا منها موجود عند آل همال، وعائلات أخرى معروفة تنتمي إلى الطريقة الكنتية ويشكّلون ثقلا كبيرا في المنطقة. وعاد المتحدّث ليؤكّد أنّ المخطوطات في خطر ولابدّ من الإسراع في تحقيقها وطبعها في كتب، وذكر أهمّ الخزانات الموجودة في معظم القطر الجزائري، على غرار ''خزانة الصحراء- إفريقيا الوسطى'' التي تمثّلها الطريقة الرحمانية بزاوية طول?ة، ويتواجد بها ما يقارب ألفي مخطوط، منها ما طبع وحقّق. وبالمناسبة، تطرّق الدكتور بن بريكة في حديثه عن سيدي محمد بين عبد الكريم المغيلي الذي كان له الفضل في إدخال الإسلام إلى إفريقيا، انطلاقا من مدينة تومبكتو الواقعة شمال غرب مالي، وكان قد أخذ العلم والطريقة الصوفية من عند عبد الرحمان الثعالبي، بالإضافة إلى مصاهرته، إذ تزوّج من ابنته زينب الثعالبي. وقال المتحدّث عن المغيلي، أنّه صاحب كتاب مهم موسوم ب ''البدر المنير في علوم التفسير'' الذي دوّنه في ستين مجلّدا، موجود حاليا في الخزانات التواتية بأدرار، إلاّ أنّه عرضة للتلف، حيث لم يحقّق ولم يطبع ولم يستطع أحد نقله من هناك.