بشكل لافت وغير منتظر تحركت الآلة الدبلوماسية الأمريكية بكل ثقلها نهاية الأسبوع بتوجيه اتهامات ضد سوريا كافية لأن تجعلها هدفا محتملا لها أو لإدارة الاحتلال الإسرائيلي على خلفية سعي دمشق لامتلاك تكنولوجيا نووية لأغراض عسكرية· وفجر مسؤولون أمريكيون قنبلة إعلامية برائحة نووية عندما أكدوا أن سوريا كانت على وشك تشغيل مفاعل نووي أقامته بمساعدة تكنولوجية كورية شمالية جنوب البلاد قبل أن تقصفه طائرات إسرائيلية في سبتمبر من العام الماضي· والمفارقة أن هذا السر النووي لم يتم الكشف عنه إلا بعد مرور ثمانية أشهر، وكان بإمكان مفجري هذه القنبلة الكشف عن دويها في حينها وعدم انتظار كل هذه المدة لفعل ذلك· وهو المنطق الأقرب الى الواقع إذا أخذنا بطبيعة العلاقة المتوترة بين الولاياتالمتحدة وسوريا وكان بإمكان واشنطن استغلال الحادثة كمبرر لتشديد ضغوطها على دمشق سواء لأنها أحد أطراف محور الشر وأيضا على خلفية علاقة سوريا مع لبنان واتهامها في كل مرة بلعب دور محوري في عرقلة كل المساعي لإنهاء الأزمة السياسية اللبنانية· وهي معطيات تدفع جميعها الى التأكيد أن اختيار توقيت الكشف عن مثل هذا السر أمتة حسابات مصلحية أخذتها بعين الاعتبار اسرائيل والولاياتالمتحدة ما دام التنسيق بينهما لضرب الهدف السوري· ولذلك فإنه لا يمكن اخراج تداعيات تسريب مثل هذا الخبر اذا سلمنا بوجود المفاعل السوري المزعوم، عن سياق ترتيبات سبق للوزير الأول التركي طيب رجب أردوغان أن كشف عنها عشية زيارة إلى دمشق والتي أكد من خلالها وجود عرض اسرائيلي للإنسحاب من هضبة الجولان السوري المحتل مقابل التوقيع على معاهدة سلام شبيهة باتفاقية كامب دافيد الإسرائيلية المصرية· ولا يستبعد نتيجة لذلك أن يكون الكشف عن هذه المعلومات الحساسة من منطقة أصبحت أشبه ببرميل بارود هدفها إفشال السعي التركي قبل بدايته بدليل أن إدارة الاحتلال سارعت الى وضع شروط تعجيزية أمام سوريا مثل قطع صلتها بإيران وحزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية· وهي كلها شروط تريد اسرائيل فرضها على دمشق وقناعتها المسبقة أنها لن تقبل بها لأنها تصب جميعها في سياق المواقف السورية المعروفة في دعم حركات المقاومة سواء في لبنان أو الأراضي الفلسطينية المحتلة· وأيضا لأن قبولها يعني حدوث تحول جذري في المنطقة تخرج بمقتضاه سوريا من دائرة المغضوب عنهم أمريكيا، وتتمكن حينها الولاياتالمتحدة من تمرير خطتها لفرض سياستها على كل المنطقة وفق منطلقات تصورها ل الشرق الأوسط الجديد· وتبقى هذه الاحتمالات واردة الى حين التأكد من صدق أو زيف الأخبار الأمريكية وخاصة وأن سوريا سارعت إلى نفي المزاعم الأمريكية ووصفتها بالسخيفة، ولم تستبعد أن تكون مثل هذه التسريبات شبيهة بتلك التي رفعتها واشنطن لحشد الدعم الدولي ضد النظام العراقي السابق بدعوى امتلاكه لأسلحة دمار شامل، وتأكد زيفها بعد أن دمر العراق ودخل في متاهة مستنقع لم تشأ يومياته أن تعرف نهايتها المأساوية!