ونحن نقرأ التاريخ نكتشف الكثير من خصائص ومميزات الشعب الجزائري الذي ظن الاحتلال الفرنسي أنه لقمة سائغة وسهلة يمكن ابتلاعها في وقت قصير، إلا أن الشعب الجزائري خيب ظن الاستعمار فيه رغم تخاذل بعض المتخاذلين من أبنائه، فخاض مقاومة شرسة، طويلة النفس ضد الاحتلال، وكلما استشهد قائد من قادة المقاومة رفع راية الجهاد قائد آخر، وهكذا كانت ثورة أولاد سيدي الشيخ، قادة متعددون، وجهاد متواصل. ادعاءات الاحتلال الفرنسي أنه جاء من أجل تحضير وتمدين الشعوب التي احتلها، كانت ادعاءات كاذبة وتبريرات لا يمكن أن تنطلي على المغفل، فكيف يمكنها ان تنطلي على شعب اثبت مقاوماته من اجل حريته وإدارة شؤونه بنفسه. كلما كانت الجريمة المرتكبة في حق شعب من الشعوب التي احتلت ارضها، كلما كانت التبريرات في حجم تلك الجريمة وكلما أصبحت الأكاذيب والزيف لا يمكن حجبهما على اي قارئ للتاريخ ولأحداثه، لأن الجرائم كثيرة ومتواصلة وأن الاحتلال الفرنسي لم يكن إلا ذئبا تنكر في ثياب إنسان وصوته حتى يخدعه ويفترسه وقد سجلت لنا القصائد والمرويات الشعبية هذه المقولة: «ذئاب في ثياب»... لم تخضع الجزائر مرة واحدة للاستعمار بعد تحطم اسطولها في معركة نافرين 1827 وسقوط عاصمتها في جويلية 1830 بل استمرت المقاومات الشعبية والدعوة الى الجهاد إلى غاية انتصار الشعب الجزائري والاعلان عن استقلاله وسيادته في 05 جويلية 1962، لم تنته المقاومات الشعبية بمقاومة الأمير عبد القادر اولالة فاطمة نسومر او الزعاطشة أولاد سيدي الشيخ والمقراني، بل استمرت مشتعلة متواصلة الى غاية اندلاع ثورة أول نوفمبر الخالدة 1954 وانتزاع الاستقلال والسيادة بفضل الانهار من الدماء التي سالت وقوافل الشهداء الذين تعاقبوا على ميدان المقاومة والجهاد. اعتقدت جيوش الغزاة الفرنسية أنها بإخماد ثورة الامير عبد القادر وأسره ونفيه، انتهت روح المقاومة وسقط لواء الجهاد من السواعد الجزائرية، إلا أنها كانت تتفاجأ بأنها كلما أخمدت مقاومة أو ثورة اشتعلت مقاومة أخرى وأندلعت ثورة تقلق راحتها وتسفه أحلامها. عندما وقعت سلطات الاحتلال مع السلطات المغربية معاهدة لالة مغنية في 18/ 03/ 1845 اعتقدت أنها انتهت من الثورات والمقاومات الشعبية، وانها بواسطة الدهاء والدسائس والاغتيالات قد يكون الوضع استتب لها، خصوصا بعد تدبير اغتيال وعزل بعض القادة من قبيلة اولاد سيدي الشيخ المجاهدة التي يعود اصلها الى مؤسسها ومؤسس زاويتها عبد القادر بن محمد السماحي المتوفي سنة 1616م. وبعد أن اعتقدت مخابرات الاحتلال أنها استطاعت بث الفتن والانقسام في أوساط هذه القبيلة، خصوصا بعد تنصيب سليمان بن حمزة وعزل سي الزبير من الأغاوية بورقلة وتعيين مكانه سي لعلا، أنها حققت ما دبرت من مكائد، إلا أن سي لعلا كان لا يثق بسلطات الاحتلال وكان مطلعا على الدسائس والاغتيالات كاغتيال سي حمزة وابنه ابي بكر، فبدأ سي لعلا بالتحريض على المقاومة ودعوة ابن أخيه سي سليمان إلى الجهاد. ومما زاد في تدعيم دعوة الجهاد والمقاومة التي دعا لها سي لعلا، الظلم والجور والتعسف والتفقير ومصادرة الأراضي والمراعي الذي لحق بقبيلة أولاد سيدي الشيخ، خصوصا الضرائب المفروضة على الأهالي وبث النزعات والفرقة وإثارة الفتن والشحناء بين أفراد القبيلة الواحدة، مما دفع سي سليمان إلى إعلان الجهاد ودعوة العائلة ليطلعها أن سلطات الاحتلال هي من دست السم لأبيه حمزة وأخيه أبي بكر وأن هذه السلطات لن تتوقف عند هذا الحد، بل ستعمل على اغتياله والتخلص منه، إضافة الى ما تعرضت له العائلة من إهانة في البيض. اندلعت الثورة من 1864 الى 1867م، في مرحلتها الأولى واستجاب لها شيوخ الزوايا وأتباعهم وعدد معتبر من انصار الثورة من الجنوب وعبر الصحراء. وقد تأجحت الثورة عندما استطاع سي سليمان أن يقضي على العقيد (بوبريط) ويستشهد هو أيضا في إغارة شنها على مخيم هضبة عوينة بوبكر شرق البيض، وتوالت المعارك حيث تعززت المقاومة بانضمام العديد من القبائل في الجنوب بعد انتصار الثورة واستطاعتها القضاء على العقيد (بوبريط) والنقيب (اسنارد) ونقيب المكتب العربي بتيارت والمترجم كابيسو ونقيب الصبايحية (تيبولت) والملازم الأول (بيران) وملازم القناصة (بوبيي). وبعد استشهاد سي سليمان بن حمزة حمل راية الجهاد والمقاومة بعده سي محمد فاستعان بسي الزبير وسي لعلا كما تدعمت المقاومة بانضمام قبيلة أولاد شايب، فخاض سي محمد بن حمزة معركة «بن حطب» في 26 أفريل 1864 ضد الجنرال «مارتينو» ومعركة «ستيتن» 13 ماي 1864 ضد الجنرال «دلينيه». وفي 12 جويلية 1864 واثر الضربات المتتالية التي كان يقوم بها المجاهدون ضد قوات الاحتلال، جهزت هذه الاخيرة خمس كتائب بقيادة كل من الجنرال (لوقران) و(دلينيه مارتينو)و(جو ليفي) وقد استطاع المجاهدون إلحاق هزيمة بكتيبة (جو ليفي) بقيادة محمد بعين البيضاء في 30 سبتمبر 1864، مما جعل قوات الاحتلال تأمر الجنرال (ديلينيه) والجنرال (يوسف) ليتحركا لفك الحصار عن البيض، فوقعت معارك وجرح سيدي محمد بن حمزة ثم استشهد متأثرا بجراحه في 22/ 02/ 1865 ليخلفه في المقاومة والجهاد سي احمد ولد حمزة، ليخوض سنة 1866 العديد من المعارك ضد قوات الاحتلال الفرنسي بقيادة (دي كولومب)، ومن أهم هذه المعارك معركة الشلالة في افريل 1866. المرحلة الثانية من المقاومة اعتمد فيها اولاد سيدي الشيخ معارك الكر والفر بشن الغارات أو ما يصطلح عليه في يومنا بحرب العصابات، وتميزت هذه الفترة التي امتدت من 1867 الى 1881 بالأوبئة وانتشار الجراد والمجاعة حيث هلك الكثير من الأهالي، وبعد وفاة سي احمد بن حمزة خلفه سي قدور الذي استطاع توحيد صفوف اولاد سيدي الشيخ وتنظيم المقاومة وخوضه معارك كثيرة اشهرها معركة الدبداب قرب عين ماضي في فبراير سنة 1869 وانتصر فيها على الفرنسيين، مما جعل العدو يعزز قواته ويرسلها الى الجنوب، منها قوات «وانمبفين» التي ضربت قبيلة حميان، ثم خاض سي قدور عدة معارك منها معركة «ماقورة» 17 افريل 1871 التي استشهد فيها اكثر من 200 مجاهد. لم تنزل راية الجهاد من الجنوب الجزائري ولا من الجزائر، بل استمرت الى غاية القرن العشرين تؤكد رفض الشعب الجزائري للتواجد الفرنسي على اراضيه، وتكذب كل مقولة تدعي أن هذا الاستعمار جاء لنشر الحضارة، فكانت احداث الثامن ماي من عام 1945 القشة التي قصمت ظهر البعير، فاندلعت الثورة الكبرى بعد المنظمة الخاصة التي أنشأت في 1947، ثم تم تفجير ثورة التحرير 1954 لتنتهي بالنصر المبين وتطرد المحتل اللعين من ارض الجزائر في 05 جويلية من عام 1962م.