يعود المخرج رشيد بن حاج عبر فيلمه “عطور الجزائر” إلى سنوات الإرهاب التي كادت تعصف بالبلاد، من خلال شخصية “كريمة” التي تفارق عائلتها وبلدها من أجل متابعة مسارها المهني في فرنسا وتعود إلى أرض الوطن حين تعلم أن أباها مريض وبدرجة أكبر لما تعلم أن أخاها “مراد” دخل السجن، ثم تبدأ رحلة التطرق إلى العديد من القضايا السياسية والأمنية والاجتماعية بأسلوب كانت حبكتها هشة ومملة. 108 دقائق هي مدة الفيلم الذي عرض شرفياً للصحافة، أول أمس بقاعة ابن زيدون بديوان رياض الفتح بالعاصمة، قام المخرج وكاتب السيناريو رشيد بن حاج بتناول العديد من الجوانب التي نتجت عن ظاهرة الإرهاب، ومازالت بعض تداعياتها تلقي بظلالها على المجتمع ولعل أهمها اضطهاد المرأة والدعوة لبناء مساواة حقيقية بين الجنسين في ظل ما يمليه العرف وسوء فهم الدين واستعماله. بعد مكالمة مقلقة تتلقاها كريمة من أمها، تجد نفسها مرغمة على العودة إلى الجزائر بسرعة لحضور الأيام الأخيرة من حياة والدها الذي تمردت عليه منذ قرابة عشرين عاماً وقطعت معه كل اتصال وتعمل على إخراج أخيها من السجن بعد أن أضحى أميراً لتنظيم إرهابي خطير، تاركة بذلك نجاحها المهني، إذ تعد كريمة مصورة صحفية شهيرة بفرنسا. واعتمد المخرج على حركات الكاميرا التي وفق إلى حد كبير في تجسيدها، على تمرير رسائل المطالبة بالمساواة بين الجنسين من خلال مشاهد المظاهرات التي كانت النساء تقمن بها رغم الظروف الصعبة وغير الآمنة، وتصبح كريمة واحدة من المناضلات في سبيل العدالة والمساواة، بعد أن تقتل سامية على يد إرهابي هو صديق لزوجها المسجون خلال مرورها بحاجز مزيف، وتقوم كريمة باحتضان الرضيعة ابنة أخيها، في إشارة إلى أن الحياة مستمرة وسط العمل النضالي السليم المطالب بالمساواة فقط. ورغم مرور عشرين سنة وهي بفرنسا، بذلت كريمة كل ما بوسعها للتخلص من ماضيها والغوص في عالم ليس عالمها، عالم سمح لها بالعيش دون ذاكرة، لكن عودتها لبلدها الأم ستخلصها من القهر الأبوي، وأشباح الماضي المرفوض. والفيلم يعرض أخطاء الأباء التي يتحملها الأبناء، من خلال زواج “مراد” ب«سامية” التي وقعت ضحية لاغتصاب أبيه “أحمد” الذي قام بدوره الممثل القدير سيد أحمد أقومي، وكانت كريمة الشاهدة الوحيدة على هذه الفاجعة التي لم يصدقها أحد في ذلك الوقت. جدير بالذكر، أن رشيد بن حاج من مواليد سنة 1949 بالجزائر العاصمة، تحصل على شهادة من مدرسة الفنون لباريس وهو يعيش ويعمل منذ سنوات بروما. ولقد افتتح البرنامج المنظم مؤخراً بالتعاون بين الصالون الدولي للكتاب بالجزائر ومتحف السينما الجزائري بفيلمه المطول “الخبز الحافي” المقتبس من كتاب المؤلف المغربي محمد شكري. بعد مساره الدراسي، قام رشيد بن حاج بإخراج فيلم وثائقي حول وضعية المهاجرين في بيوت قصديريه قرب مدينة نيس ثم التحق بالتلفزة الجزائرية. بعد ذلك، أخرج فيلم بعنوان “رقم 49” حول مشكل السكن، ثم “لوس” (1989) الذي تم اختياره في كان، يوستن، قرطاجة، وغادوغو وروما وتحصل على العديد من الجوائز. في 1993، أخرج “توشيا”، ثم في 1997، “شجرة الأقدار المعلقة” الذي أنتجه ماركو بيلوجيو للتلفزة الايطالية، كما ندد مع “ميركا” اغتصاب النساء في البلقان من تمثيل جيرار دوبارديو، فانيسا ريدغراف وفرانكو نيرو. يذكر أن “عطور الجزائر” قد تم اختياره للمشاركة في العديد من المهرجانات الدولية المهمة، أولها، مهرجان أبو ظبي (من 11 إلى 20 أكتوبر) الذي سيعرف مشاركة جزائرية معتبرة، كما سيعرض الفيلم قريبا للجمهور الجزائري.