أبدت الحكومة السورية ليونة في موقفها بخصوص عرض المفاوضات مع المعارضين لها عندما أكدت قبولها الفكرة ولكن دون الشروط المسبقة التي وضعها احمد معاذ الخطيب رئيس ائتلاف المعارضة السورية عندما قرر الدخول في مفاوضات مع ممثلين عن الحكومة لوقف إراقة دماء السوريين. وجدد وزير الإعلام السوري في أول رد فعل رسمي تبديه دمشق حول عرض المفاوضات أن الحكومة مستعدة للحوار ولكن دون شروط. وقال الوزير عمران الزعبي أن "الباب مفتوح وأن طاولة المفاوضات موجودة هنا والترحيب قائم بكل سوري يريد التحاور معنا لأننا جادون بخصوص هذه القضية". وقال الوزير السوري رافضا الشروط المسبقة التي وضعها معاذ الخطب أنه "عندما نتكلم عن أي حوار فان الأمر عادة ما يتعلق بحوار دون شروط ولا تستثني أحدا ولكن عندما يأتيك شخص ويقول لك أنا أريد التحاور معك حول هذه القضية وإلا قتلتك فهذا ليس تفاوضا". ولذلك فإنه "لا يجب أن توضع شروط مسبقة". وجاء الرد الرسمي السوري على رئيس ائتلاف المعارضة السورية في الخارج احمد معاذ الخطيب عندما أكد أنه يقبل التفاوض مع من لم تتلطخ أيديهم بدماء السوريين وأن يتناول هذا الحوار فكرة رحيل الرئيس بشار الأسد عن كرسي السلطة في سوريا. كما حدد الخطيب نهار اليوم الأحد كآخر أجل أمام السلطات السورية للرد على هذه المطالب التي أرفقها بطلب إطلاق سراح كل المعتقلات السوريات وإلا فإن عرضه سيصبح في حكم الماضي. ويبدو أن خيار المفاوضات بين فرقاء الأزمة السورية فرض نفسه على الجميع ولم يعد أي طرف له علاقة بهذه الأزمة يؤمن أن القوة هي التي ستحسم هذه الأزمة المأزق. وهو ما يفسر الانقلاب في موقف الائتلاف السوري المعارض في الخارج والذي فاجأ رئيسه معاذ الخطيب الجميع الأسبوع الماضي بتصريحات أذهلت الجميع عندما أكد أنه مستعد للدخول في مفاوضات مع ممثلين عن النظام السوري من أجل وقف تقتيل السوريين. وهو ما يفسر كذلك انضمام الولاياتالمتحدة والجامعة العربية والدول الخليجية التي كانت تغلب الخيار العسكري وحتمية رحيل النظام السوري إلى جانب الداعين إلى بديل الحل التفاوضي الذي ينهي قرابة العامين من حرب أتت على كل مقومات الدولة السورية وشعبها. فقد أصبح وزير الخارجية الأمريكي الجديد جون كيري أحد المدافعين عن الخيار السياسي بعد أن أكد أمس أن إدارة بلاده تفكر في تحرك "دبلوماسي" جديد من أجل وضع حد للنزاع في سوريا. وأضاف أن "الجميع داخل الحكومة الأمريكية وخارجها متأثرون بدرجة العنف" التي يشهدها هذا البلد و«إننا بصدد تقييم الوضع وسنرى ماهية الإجراءات الدبلوماسية الممكن اتخاذها من أجل وضع حد لهذا العنف". وهو ما شكل تحولا جوهريا في الموقف الأمريكي الذي بقي طيلة أشهر الأزمة الدامية في هذا البلد يراهن على خيار القوة لارغام الرئيس بشار الأسد على الرحيل. وكانت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة من أكثر المدافعين عن المقاربة ودعت إلى فكرة تسليح المعارضة المسلحة بدعوى تسريع عملية الإطاحة بالنظام السوري. ويأتي الانفتاح الأمريكي في سياق انفتاح روسي باتجاه المعارضة السورية بعد أن أبدت موسكو استعدادها هي الأخرى التفاوض مع ممثلي المعارضة المسلحة في الولاياتالمتحدة. ولم يبق خارج إطار " المنطق التفاوضي" سوى المجلس الوطني السوري أكبر جناح في هذا ائتلاف المعارضة السورية الذي تمسك بموقفه الرافض للتفاوض ولكنه لن يلبث في الالتحاق بركب المؤيدين لهذه الفكرة بعد أن يقتنع هو الآخر أن الإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد بقوة السلاح أصبحت مستحيلة وأن كل تماطل في الجلوس إلى طاولة المفاوضات سيدفع ثمنه الشعب السوري وليس أي طرف آخر. وقد فرض هذا الخيار نفسه على الجميع سواء السلطات السورية التي كانت هي الأخرى تراهن على سحق من تسميهم بالإرهابيين وأيضا على المعارضة المسلحة السياسية منها والعسكرية ودول الجوار وخاصة وأن نذر انتقال تبعات هذه الحرب إلى دول المنطقة أصبحت قائمة وتنذر بحرب إقليمية مفتوحة. وهو ما أصبحت دمشق تخوف به المناوئين لها عندما حذر وزير الاتصال السوري من أن "انعكاسات الداخل السوري خطيرة جدا وستلقي بظلالها على لبنان والأردن وحتى تركيا ولا أحد حينها بإمكانه أن يضمن أمن حدوده على اعتبار أن الأمن الإقليمي لا يتجزأ وإذا سادت الفوضى فإن الجميع سيدفع ثمنا لها".