قد يتفاجأ أحدهم عند دخوله إحدى المحلات وشراء بعض المستلزمات، بالتاجر يطلب منه مبلغا نقديا يعادل ثمن تلك المستلزمات دون زيادة أو نقصان، أو قد يتفاجأ مسافر يستعمل وسائل المواصلات العمومية بطلب القابض لثمن التذكرة تحديدا، وليس عليه تقديم ورقة نقدية من فئة 1000 دينار، ولا حتى من فئة 500 دينار، لأن ”الصرف” غير متوفر، والأدهى أن هذه العبارة باتت قاسما مشتركا بين عديد الباعة والتجار والقابضين، وعلى المواطن أن ”يدبر راسو”، حتى وإن كان مستعجلا أو لا يحتكم للفكة، كما يطلق عليها. تعدد المواقف من حولنا يجعلنا نتساءل عن سبب العدائية الكبيرة التي تطبع سلوكات البعض تجاه البعض الآخر، فلقد كنا شهودا على موقف تعرضت له زبونة، تقدمت من مخبزة لشراء خبزة قيمتها عشرة دنانير، قدمت للخباز قطعة من فئة خمسين دينارا، فرفع صوته في وجهها منتقدا إياها، وأبدى امتعاضه الشديد منها، لأنها تقدمت لشراء خبزة ولم يكن لديها قيمتها بالضبط، وطبعا كان عليه هو أن يقتطع الثمن ويرجع لها ”الصرف”، وهذا هو المفروض، ولكنه أبقى بالخبزة عنده وطلب منها قصد مخبزة أخرى تتوفر على ”الصرف”!؟ ومشهد آخر بمحل للمواد الغذائية، حيث طلبت زبونة بعض الجبن، مُحددة قيمته المالية مسبقا، ولكن البائع الذي كان منشغلا بالحديث عن نتائج مباراة كرة قدم مع زميل له، فرض على الزبونة اقتناء كامل الجبن الذي تعدى بكثير الثمن الذي حددته، قائلا؛ إنه لا يملك ”الصرف”! وهذه الحجة، إن صح التعبير، أصبحت متداولة كثيرا بين التجار، وكأن المواطن ينتمي لمجتمع غير الذي ينتمي إليه التاجر، وعليه، أضحى لزاما على المواطن أن يفكر في ”الصرف” قبل أن يفكر في شراء ما يحتاجه فعلا.. صدق المثل الشعبي الساخر الذي يقول؛ ”ماكاش الصرف وَليّ غدوة”!