بعد حصة “لقاء الأسبوع” مباشرة، شعرت بارتخاء ونعاس شديدين، فاتجهت مباشرة إلى النوم خشية سرقته مني بالغوص في تحليل آراء المتدخلين في الندوة، وربما التعصب لرأي دون الآخر أو رفضها جميعا، وقد يسبب لي ذلك تضجرا وسهادا أنا في غنى عنهما، وقبل سحب الغطاء على جسدي، ذبت في نوم كالذي ألفته ولم يألفني.. رأيت نفسي أمام بناية عالية ضخمة تغطي جزءا من المدينة التي ضاقت ذرعا بمن فيها، تجمهر حشد كبير من المتطفلين والفضوليين أمام البناية الضخمة ذات الأبواب الموصدة.. كان رجال الشرطة والدرك يطوقون البناية الضخمة ويشكلون جدارا متراصا أمام الباب الرئيسي للبناية ذات الأسوار العالية، تنبعث من وراء الأسوار هتافات وأصوات احتجاجية صارخة، طلقات رصاص تحذيرية تصوب نحو المحتجين داخل البناية الضخمة لإسكاتهم أو تخويفهم، لا أحد من الشرطة يجرؤ على الدخول أو الاحتكاك بهم أو إقناعهم. اشترطوا وفدا رفيع المستوى للتفاوض.. رفعت رأسي فقرأت على لوحة تعلو باب البناية: “مركز إعادة التربية” بخط جميل مضاء، وتساءلت عن سبب هذا التجمهر وهذه الاحتجاجات، وظننت أن الأمر يتعلق بفرار المساجين أو تمرد داخل السجن أو شيء من هذا أو ذاك.. دخل الوفد رفيع المستوى إلى “مركز إعادة التربية”، والتقى الوفدان المتفاوضان في زاوية من زاويا البناية الضخمة، كانت المشكلة تتمثل في رفض نزلاء مركز إعادة التربية مغادرة “النزل”، أو ما يطلق عليه تجاوزا؛ السجن، لدواع اجتماعية، بعد انقضاء مدة استضافتهم، التزموا بيوتهم وتمسكوا بإقامتهم، وهم في حالة شديدة من البكاء والعويل، رافضين الخروج من الجنة إلى جهنم كما عبروا عن ذلك إذ كلما توارب الباب ورأوا ما وراءه، ازداد بكاؤهم ونحيبهم وتشبثوا أكثر بنزلهم .. دامت المفاوضات أسبوعا كاملا بين وعود وإغراء وتهديد ووعيد.. دون التمكن من إقناعم، عندها اتخذ قرار طردهم عنوة من مركز إعادة التربية.. كانوا وهم يسحبون خارج المركز، يلتفتون خلفهم كصبية انتزعوا من حجور أمهاتهم. ولما يئسوا من المقاومة، كلفوا محاميا لرفع دعوى لإعادتهم إلى مركز إعادة التربية، نزلهم المفضل، ولما استيقظت مما كنت فيه، وجدت نفسي أبكي وأضحك معا.