أجمع برلمانيون وخبراء في القانون، أمس، على أهمية تعزيز صلاحيات مجلس الأمة، ودعم مهامه التشريعية والرقابية، لاسيما في سياق التعديل الدستوري الجاري تجسيده حاليا في الجزائر، مؤكدين بأن تقوية دور هذه المؤسسة التشريعية من خلال تكييف المواد القانونية الموجودة في الدستور وفي القانون العضوي المحدد لمهام هذا المجلس، من شأنه تعزيز التوازن المؤسساتي وتكريس مبدأ استقلالية السلطات. ووقف دكاترة في القانون وأعضاء في الغرفة الثانية للبرلمان خلال اليوم الدراسي الذي انتظم، أمس، بمقر مجلس الأمة، وتناول تقييم تجربة هذا الأخير وتحديد آفاقه، على بعض النقائص التي لازالت تحول دون ترقية "الدور المطلوب القيام به من قبل مجلس الأمة"، سواء في إطار مهامه التشريعية أو مهامه الرقابية أو في إطار الصلاحيات المخولة له في سياق القانون العضوي 99 /02 المنظم لعلاقاته بالمجلس الشعبي الوطني والحكومة. ففي حين تطرق الدكتور محمد بن محمد، أستاذ الحقوق بجامعة ورقلة، إلى تجربة مجلس الأمة في الميدان التشريعي، مبرزا المواد الدستورية التي تخول المجلس صلاحيات المشاركة في إصدار القوانين من خلال مناقشة مشاريع النصوص التشريعية وتعديلها والمصادقة عليها، أثار الدكتور مبروك غضبان، أستاذ القانون العام والعلاقات الدولية بجامعة باتنة، لدى تطرقه لتجربة المجلس في الميدان الرقابي، وجود بعض"الاختلالات" سواء من حيث التشريع أو الممارسة والتي تحول -حسبه- دون ضمان المساواة في الأداء بين الغرفتين البرلمانيتين. وأشار في هذا الصدد على سبيل المثال إلى المهام الرقابية المخولة للغرفتين في إطار مناقشة بيان السياسة العامة للحكومة، حيث وفي الوقت الذي تعتبر فيه هذه المهام إجبارية بالنسبة للمجلس الشعبي الوطني، فهي غير ملزمة بالنسبة للغرفة الثانية "وتبقى فقط من باب الجواز وليس الوجوب"، على حد تعبير المحاضر الذي أكد ضرورة التركيز على مبدأ الفصل بين السلطات في مجال المهام الرقابية. غير أن الدكتور لمين شريط، عضو مجلس الأمة، لم يوافق طرح سابقه في الجانب المرتبط بغياب مبدأ المساواة في المهام الرقابية للغرفتين، معللا طرحه بالنص التشريعي الذي يفرض تشكيل لجنة متساوية الأعضاء بين الغرفتين البرلمانيتين لتمرير مشاريع النصوص القانونية في الحالات المعقدة. كما اعتبر الدكتور شريط الذي كان أحد المشاركين في إعداد دستور 1996 الذي عرف نشأة مجلس الأمة، إعطاء مهام أكبر للغرفة الأولى في مجال التشريع، تبرره الصلاحيات الموسعة المخولة لهذه الاخيرة، ولاسيما في مجال حق سحب الثقة من الحكومة. في المقابل، لم يخف عضو مجلس الأمة وجود بعض النقائص في تحديد مهام ودور مجلس الأمة، مرجعا ذلك إلى سبب بسيط -حسبه- وهو كون القانون العضوي الذي يحدد عمل البرلمان والعلاقات بين غرفتيه وبينه وبين الحكومة، تمت صياغته من قبل الحكومة، ما يبرز حسبه الضرورة الملحة إلى مراجعة دستورية لتكييف القانون العضوي المحدد لمهام البرلمان وتدقيق العلاقات بين المؤسسات الدستورية وحصر صلاحياتها. وتابع السيد شريط يقول إننا ننتظر من التعديل الدستوري مراجعة هذا القانون العضوي بكامله لإحداث التوازن بين السلطات وتطبيق مبدأ استقلالية السلطة التشريعية، مع تمكين الغرفتين البرلمانيتين من سلطات وصلاحيات إضافية في مجال الاستطلاع والاستعلام، داعيا في سياق متصل إلى إحداث لجان خاصة بدلا من اللجان الدائمة ونسج علاقات دائمة وفعالة بين مجلس الأمة والمجتمع المدني، معتبرا وضع المجلس حاليا يجعل منه "هيئة منعزلة تماما عن المجتمع". كما شدد المتدخلون في اللقاء على ضرورة ترقية الآليات التشريعية لمجلس الامة، لاسيما من خلال تخفيض نصاب التصويت من 3 أرباع الأعضاء حاليا، وتفعيل دور المجلس من خلال تغيير الصورة اللصيقة به حاليا والتي تجعل منه قاعة لانتظار القوانين، فيما دعت السيناتور زهية بن عروس إلى تفعيل مشروع القناة التلفزيونية البرلمانية، وترقية الاتصال المؤسساتي لمجلس الأمة. وبالرغم من كل النقائض التي أثيرت في اللقاء إلا أن هذا الأخير لم يخل من تعابير الإشادة بالدور الفعال لمجلس الأمة وتثمين تجربته التي انقضى عليها لحد الآن 15 عاما، وهي الفترة التي وصفها السيد عبد القادر بن صالح، رئيس المجلس، في كلمته الافتتاحية بالقصيرة، غير أنها كافية، حسبه، لاستخلاص الدروس. وأكد السيد بن صالح بأن هذا المجلس الذي تم إنشاؤه في ظرف سياسي "كان يستوجب الحرص على حماية الوطن من الانحرافات ونسف الديمقراطية نحو نهج الشعبوية المناسباتية على حساب العمل التشريعي الموضوعي الرصين"، سيعرف في ظل المراجعة الدستورية المرتقبة تحولا نوعيا يمكنه من تعزيز دوره ومكانته السياسية، ليساهم في تحقيق التوازن المؤسساتي المنشود، مقدرا في نفس السياق بأن التجربة التي مر بها مجلس الأمة ستسمح له بأن يتبوأ المكانة الجديرة به، لاسيما في المجالين التشريعي والرقابي.