تعود عمالة الأطفال لتُطرح بقوة مع حلول شهر الصيام، حيث تعج الأسواق والشوارع والأحياء بالأطفال الباعة. ولعل الشائع في رمضان هو بيع المطلوع؛ حيث يدفع الأهل بفلذات أكبادهم لقضاء اليوم بطوله، لبيع بعض ما تيسر لهم مقابل دنانير معدودة قد لا تعوّض الجهد الذي يبذلونه، خاصة أن بعضهم صائم. تحت أشعة الشمس الحارقة وعلى حافة الطرق أمام الأسواق ينتشر أطفال في سن الزهور، لحث المواطنين على شراء “مطلوعهم” في جو تنافسي، علّهم يحصلون في آخر النهار على بعض النقود. لا يشعرون بأي إحراج، وإنما يتوسلون الأشخاص أن يشتروا منهم ولو “كسرة واحدة”، حتى لا تعود البضاعة إلى البيت. ولعل الميزة التي تجمع هؤلاء أنهم يتمركزون في مكان واحد حتى يدافع بعضهم عن بعض في حال ما إذا واجه أحدهم مشكلة ما. اقتربت “المساء” من بعض الباعة الصغار، وفي دردشتنا مع كريم البالغ من العمر خمس سنوات، الذي كان منهمكا بعَدّ المطلوعات التي بقيت له حول من دفعه إلى البيع، قال بأن هذا العمل يقوم به مع حلول رمضان، حيث تقوم والدته بعجن المطلوع في الصباح الباكر، ليتولى هو عملية البيع. وعن الدافع إلى ممارسة هذا النشاط قال بأن والده متوفى، وأن أسرته مكوّنة من عدد كبير من الأفراد، وبالتالي فهو ملزم بالعمل لإعالة الأسرة، وبحكم أن المطلوع يلقى إقبالا كبيرا خلال رمضان فيعتبره مصدرا لكسب الرزق. يبيع كريم المطلوع ب 30دج والكسرة ب 40دج، غير أن المطلوع ينفد سريعا، وعلى العموم يبيع بين 10 و15 مطلوعة في اليوم، وزبائنه من الرجال خاصة، الذين يقبلون عليه في المساء، وهي الفترة التي يتمكن فيها من بيع كل ما لديه من خبز. تركنا كريم في رحلة البحث عن زبائن، وقصدنا سميرة، الطفلة التي لا يزيد سنها عن تسع سنوات. كانت تجلس بالقرب من محل لبيع الخبز ببوزريعة. رفضت في البداية التعاطي معنا، ولكن شيئا فشيئا قالت إن والدتها تستيقظ عند الفجر تؤدي الصلاة، ثم تبدأ عملية العجن لتُعد حوالي 20 مطلوعة، وتطلب منها الالتحاق بسوق بوزريعة والجلوس بالقرب من الباعة حتى لا تظل وحدها. وأردفت أنهم فقراء، وتجد في كثير من الأحيان صعوبة في بيع كل المطلوع؛ لأن الباعة أصبحوا كثرا؛ ما صعّب عليها عملية البيع؛ حيث تعود في كثير من الأحيان إلى البيت ومعها حوالي عشر مطلوعات لم تُبع. وعندما سألناها إن كانت صائمة قالت إنها تصوم ولا تشعر بالتعب، بل تحس بسعادة كبيرة عندما يقصدها الزبائن لشراء بضاعتها حتى لا تُرجعها معها. وقفة استغراب وتعجّب عشتها أمام أصغر بائع في السوق، والغريب أنه كان يبيع المطلوع والكسرة معا! وعندما سألته عن سنه قال إنه يبلغ من العمر أربع سنوات، ويقصد سوق الأبيار عند الساعة العاشرة رفقة والدته، التي توصيه بالبقاء إلى جانب بائع الحشيش، ثم تعود لاصطحابه في المساء. وحول ما إذا كان موفّقا في عملية البيع قال بأن صغر سنه يجعل الكثير من الزبائن يقصدونه من باب الشفقة عليه، وعموما يتمكن في بعض الأيام من بيع كل بضاعته، وفي أيام أخرى يعود خائبا؛ إذ يصعب عليه البيع، خاصة أن بعض الزبائن يفضّلون شراء المطلوع من البالغين”. طرحنا موضوع عمالة الأطفال في رمضان على مصطفى خياطي رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث العلمي، فقال: “جميعنا يعلم أن العطلة الصيفية مرادفة لعمالة الأطفال، غير أن المؤسف أن استغلال الأطفال في عملية البيع تزيد حدتها في شهر رمضان؛ لأن الأطفال في عطلة من ناحية، ولأن النشاط التجاري ينتعش في رمضان خاصة ما يتعلق ببيع المطلوع والكسرة والحشيش، وهي أمور يمكن للأطفال المتاجرة بها، وهو ما يفسر ارتفاع عددهم”. ويحمّل البروفيسور خياطي الأولياء مسؤولية الدفع بأبنائهم إلى البيع في أسوأ الظروف؛ بحكم أنهم معرّضون لكل أنواع المخاطر في ظل غياب الحماية؛ حيث قال: “يخطئ من يعتقد أن الحاجة هي التي تدفع بالأولياء إلى الإلقاء بفلذات أكبادهم للبيع، وإنما هي الرغبة في الجري وراء المال التي أضحت هواية وطنية”. ودعا محدثنا إلى ضرورة تفعيل النصوص القانونية التي تحمي الأطفال من الزج بهم في سوق العمل، وأردف قائلا: “المعروف أن القانون يمنع تشغيل الأطفال الأقل من 16 سنة، وبالتالي نحن في حاجة إلى جعل القانون مجسّدا على أرض الواقع، ليتمكن كل طفل من عيش طفولته”. وأضاف: “على مصالح الشرطة المتخصصة في حماية الطفولة، أن تباشر عملية حماية هؤلاء الصغار؛ من خلال القيام بخرجات دورية إلى الأسواق للحد من الظاهرة ومعرفة الدوافع التي تجعل الأولياء يدفعون بأبنائهم إلى الأسواق للبيع”. وفي رده عن سؤالنا حول الجديد فيما يتعلق بقانون حماية الأطفال، قال: “إن القانون الذي قُدم للحكومة هو قانون 2006، ولم تطرأ عليه أية دراسة؛ لذا أناشد الجهات المعنية أن تعيد دراسته بإشراك كل الفعاليات؛ لأن قانون الطفولة لا يجوز أن يكون مصدره آراء بعض القضاة فقط”.