تعد الأديبة والروائية المبدعة منى بشلم واحدة من الأقلام النسائية التي استطاعت أن تفرض نفسها على الساحة الأدبية الجزائرية، التقتها “المساء” بمدينة سكيكدة وأجرت معها حديثا حول روايتها الأخيرة “أهداب الخشية” الصادر عن منشورات الاختلاف والضفاف اللبنانية، مع تناول قضايا أدبية أخرى مختلفة. من هي منى بشلم؟ باختصار شديد، أستاذة بالمدرسة العليا للأساتذة بقسنطينة، حاصلة على ماجيستير في تخصص الأدب القديم ونقده، وحاليا أنا بصدد تحضير دكتوراه حول الرواية الجزائرية، وفي رصيدي حاليا - مجموعة قصصية بعنوان “احتراق السراب” صادرة عن منشورات ضفاف اللبنانية ومنشورات اختلاف الجزائرية، ورواية “تواشيح الورد” صدرت بدعم من وزارة الثقافة في إطار الصندوق الوطني لترقية الآداب، إضافة إلى مجموعة من المقالات النقدية أغلبها يتناول قضايا تتصل بالرواية.
كيف كانت بدايتك الإبداعية؟ حكايتي مع القلم بدأت بكتابة مقاطع وصفية، ثم خواطر في وقت لاحق، خاصة خلال مرحلة التعليم الثانوي، حيث اكتشفت فيها أن نصي يُقرأ من طرف الزملاء وكان مستحبا لأنه كما كانوا يقولون لي تعبير عنهم، وهو ما جعل تلك الكلمات التي أكتبها تسكن نفسي حتى صارت واحدة من غايات الكتابة أن أكتب للإنسان، بعد أن وجدت خواطري “الروح السردية” انتقلت للقصة، غير أن قصصي التي كانت تتسم بطول النفس وشاعرية اللغة لم تكن كافية حين رحت أتناول أكثر من موضوع في النص الواحد، مما جعلني أفضل الرواية التي تتيح تعدد الموضوعات، ومنه ينفتح فضاؤها السردي ليستوعب الرؤى الفكرية والفنية.
ما هي المدارس الفكرية والأدبية التي تأثرت بها؟ أجدني دوما متهمة بالرومانسية، فالزملاء والأصدقاء الذين يطلعون على نصوصي أجد بينهم رأيا مشتركا، يتمثل في وجود مسحة رومانسية في كتاباتي. الحقيقة أنني لم أقصدها ولا يمكن أيضا أن أنكرها، أما عني بصفتي متلقية، فأعجب جدا باللوحات الزيتية الانطباعية.
لماذا؟ الأمر ذوقي لا غير، فأمام الفنون التشكيلية أستسلم للجمال الذي يلوح من اللوحة، خاصة لوحات الانطباعيين، ولا أحاول أبدا تبرير إعجابي. أما في الأدب، فأفضل أن يدهشني النص بالتقنية السردية أو الحكاية المبتكرة ولا ألتزم بأي مذهب أدبي معين.
ما هو مفهومك للإبداع؟ مفهوم تام مكتمل لا يجتمع لي الآن، لكن هناك مجموعة من الأهداف التي أرغب في ملامستها أثناء ممارسة الإبداع، منها ما ذكرت سابقا عن الرغبة في كتابة الإنسان والبحث عن حالات، شخصيات، موضوعات جديدة ونقاط لم تصلها الكتابة قبلا، خاصة الظروف المستجدة في حياتنا هذه، في ظل كل هذه المتغيرات السريعة علميا وتكنولوجيا، وكيف غيرت من الإنسان.
كيف تنظرين إلى أدب المرأة في الجزائر؟ أدب المرأة في الجزائر في رقي وتحسن كما وكيفا، لما أقول هذا لا أقصد أن الأحدث زمنيا هو الأفضل، ولكنه تراكم هام في نظري يضاف إلى نتاج كاتباتنا المعروفة.
كيف تقيّمي الحركة الإبداعية في الجزائر؟ حركية جميلة في النشر وتزايد المطبوع، لكن هذه الزيادة للأسف ليست مضبوطة، بمعنى أن ما ينشر ليس كله في المستوى المطلوب، هناك أعمال نشرت لكن للأسف لا تستحق النشر، في المقابل، هناك نصوص - وأنا هنا أتحدث عن مخطوطات قرأتها بنفسي - للأسف، غيبت أو أهملت ولم تصل للقارئ لسبب أو لآخر، فالحديث عن الإبداع صعب في هذه الظروف، صحيح أن الإبداع موجود دوما إلى جانب المبدعين أتحدث خاصة عن الشباب لكن هل تصل إبداعاتهم للقارئ والناقد؟ هل تحظى بالاهتمام الذي تستحق؟ الحقيقة هنا تنكسر الحلقات ونفقد الاستمرارية المثمرة.
ما هي الصعوبات التي تواجه المبدعين؟ ككل مرة يطرح هذا السؤال، سنذكر صعوبات النشر، جشع بعض الناشرين وسوء التوزيع، لكن لا شيء يتغير كأننا نتحدث فقط بغرض الحديث، وهذا مؤسف. يمكن أيضا أن نتساءل عن ثراء المكتبة الجزائرية لأن القراءة هي أساس الكتابة، هل يصل كل كتاب نريده إلى أيدينا؟ عن نفسي لا وأنا أكتب “أهداب الخشية” - روايتي الأخيرة - وضعت قائمة طويلة بالروايات التي تناولت منها واحدا أو أكثر من موضوعات نصي لأرى كيف عولجت، لكنني لم أحصل إلا على عدد هزيل.
هل يمكن أن نربط تطور الأدب بالنقد؟ طبعا يمكن أن يساهم النقد في تطوير الأدب، لكنه ليس شرطا أساسيا، إذ يمكننا العودة إلى تاريخ الرواية، فمثلا الظواهر التجديدية لم تكن مسبوقة بتنظير من طرف النقد، بل جاءت أولا في شكل تجارب فردية ناجمة عن عبقرية المبدع لا غير، لكن حين نتحدث عن أدب بلادنا، مثلا، فللنقد دور حاسم في غربلة النصوص ودفع المبدعين للتجويد أكثر.
هل يمكن أن تحدثينا عن روايتك الأخيرة “أهداب الخشية”؟ يرتقب أن تصدر مطلع الموسم القادم، تزامنا والمعرض الدولي للكتاب، وهي تجربتي الثانية في الكتابة الروائية بعد “تواشيح الورد” التي تأرجحت شخصياتها بين الشك واليقين، وتأتي “أهداب الخشية” - عزفا على أشواق افتراضية - لتروي عن متاهات المشاعر، حيث لا تعرف الشخصيات مشاعرها ولا حقيقة مشاعر الآخر، ومن هذه المتاهات تتفرع حكايات عدة في محاولة لقراءة المجتمع الجزائري نظرة كل فئة منه للأخرى.
لماذا أهداب الخشية؟ تفسير العنوان الرئيسي “أهداب الخشية” وحتى الفرعي “عزفا على أشواق افتراضية” يحتاج للاطلاع على النص، ومع ذلك سأحاول اختصار واحدة من شخصيات الرواية التي يفترض أن تكتبها، وهي صديقة البطل التي كانت زميلة على “الفايسبوك”، ثم تصبح صديقة وزميلة في الواقع، يخبرها عن قصته مع مغنية قسنطينية الأصل مقيمة بالعاصمة، تسافر إليها لتسمع القصة منها وتترك رسالة لزميلها، تخبره فيها أنها لن تكتفي بقصته فقط بل ستكتب القصة كما يرويها هو، ثم كما ترويها حبيبته في شكل أهداب متجاورة متلامسة دون أن تمتزج، وبعد رفع - بالقراءة- كل الأهداب نكتشف العين وأي خشية رأت.
يبدو أنك مهوسة بمدينة قسنطينة، ما سر ذلك؟ لا أظن أنه هوس، هي المكان الذي عشت فيه كل حياتي بأفراحها وخيباتها، والمكان الذي أحن إليه كما أحن لعائلتي في كل غياب، طبيعي جدا وأنا أعيشها سكنا وإحساسا أن تسكن كتاباتي.
ما هي علاقة الرجل بالمرأة في رواياتك؟ في الرواية الأولى “تواشيح الورد”، المشاعر كانت واضحة وكل شخصية تعرف ماذا تحس تجاه الشخصية الأخرى، فالعلاقات كانت صلبة واضحة وصريحة، على العكس في الرواية الثانية “أهداب الخشية - عزفا على أشواق افتراضية”، الشخصيات ذاتها لا تعرف طبيعة مشاعرها تجاه الآخر، ولا تعرف حقيقة مشاعر الآخر اتجاهها، العلاقات فيها كثير من الاضطراب، العنف والسخرية، مع الرغبة في إيلام الأخر رغم المحبة المكبوتة في أعماق الشخصيات. أما عن تصوير هذه العلاقات أو عن المشاهد في النص، فهي غالبا تأتي بلغة شاعرية يغيب فيها الإفصاح، وتبحث عن جمالية التصوير أكثر مما تروم دقته وتفصيله.
هل “أهداب الخشية” عبارة عن تجربة مررت بها خلال فترة من فترات حياتك، خاصة في الجامعة، ومدى تأثير ذلك على نفسيتك؟ لا مطلقا، “أهداب الخشية” تخيل من الغلاف إلى الغلاف، بنيتها بصبر وأنات وأدخلت عليها الكثير من التعديلات على امتداد السنتين الماضيتين، دون خروج عن الخط الأول الذي رسمته لها. من يقرأ “أهداب الخشية”، عليه أن يقبل بلعبة التخيل، إنه شرط أساسي للإبحار بعوالمها. سأكتفي بهذا القدر في انتظار وصولها ومعرفة آراء القراء حولها.