قال الخبير الاستراتيجي المصري عمرو الشوبكي، أمس، بالجزائر العاصمة، إن أفضل نموذج للتغيير في الدول العربية هو "التمسك بالدولة الوطنية مع العمل على إصلاح مؤسساتها"، مشيرا إلى أنه لايمكن بناء تحول ديمقراطي بدون وجود "جيش وطني"، مستدلا بالتجارب التي عرفتها كل من العراق وليبيا والتي تميزت بسقوط الدولة "وليس النظام فقط"، واصفا ذلك ب«الكوارث الحقيقية". وسجل بأن الكثير من الدول الغربية لايروقها نموذج "الدولة الوطنية" بالدول العربية لذا فهو "مستهدف". وصنف الباحث الرئيسي في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية الجزائر في النموذج الثالث ضمن المتغيرات التي تشهدها المنطقة العربية حاليا من حيث المسارات السياسية، مثلها مثل المغرب وبعض دول الخليج، ويتميز هذا النموذج ب«قدرة النظام السياسي على إجراء إصلاحات سياسية من داخله" أي إخضاع مؤسسات الدولة لإصلاحات قابلة للاستمرار. وأضاف في السياق أن دولتين مثل الجزائر ومصر اللتين عرفتا مسارا تحرريا من الاستعمار -رغم اختلاف التجربتين- هما اليوم ليستا بحاجة إلى "قطيعة" مع مشروع التحرر الوطني ولكن ل«إعادة إنتاجه في قالب ديمقراطي جديد قادر على التأثير داخليا وخارجيا". وبالنسبة لضيف سلسلة لقاءات "قواسم دولية" التي ينظمها المعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية الشاملة، فإن الثورة ليست إلا "وسيلة" لتحقيق الاصلاحات وليست "هدفا" ولهذا فإنه يعتبر أن هناك وسائل أخرى أفضل لاسيما الإصلاح الداخلي الذي لايمكنه مع ذلك أن يكون بعيدا عن "التأثيرات الأجنبية"، وهو بذلك يدعو إلى "حلول من داخل النظام". فالإصلاح في العالم العربي –كما جاء في محاضرة الشوبكي المعنونة ب«تطور الوضع السياسي والأمني في الشرق الأوسط: تحليل الوضع الحالي ونظرة استشرافية"- له بعدان داخلي وخارجي، حيث أكد أن "إمكانية جعل عملية الإصلاح السياسي صناعة محلية لايعني أنها غير متأثرة بما يجري حولها"، وأكد أنه من الذين يعتبرون أن مايحدث حاليا في المنطقة هو نتاج عوامل داخلية وخارجية معا ولايمكن الفصل بينهما أو تغليب عامل على آخر، وقال "يجب أن نملك الجرأة للنظر بعينين". وفي تحليله للوضع الراهن، تحدث المحاضر عن ثلاثة نماذج الأول نجده في الدول التي شهدت ثورات مثل تونس ومصر ويتسم بكون المجتمعات استطاعت أن تسقط نظام الحكم لكنها حافظت على مؤسسات الدولة. والنموذج الثاني الذي عرفته ليبيا وهو مسار عرف بإسقاط النظام الذي أدى إلى انهيار الدولة تماما. والثالث هو الذي يتميز بقيام نظام الحكم بإصلاحات سياسية داخلية مثلما هو جار في الجزائر والمغرب. وقال إن نموذج انهيار الدولة هو الأخطر، مشيرا في ذات الوقت إلى أن الدولة الوطنية في العالم العربي مهددة من الخارج، مستدلا بما حدث في العراق بعد الغزو الأمريكي، حيث قال "إن الأمريكيين لم يبشروا بهذا النموذج -الدولة الوطنية- أثناء غزوهم للعراق"، مضيفا "ان العراق حاليا بمعايير السياسة دولة فاشلة والثمن الذي دفعه الشعب العراقي باهظ جدا". أما النموذج الأفضل فهو، حسب الشوبكي، الذي يتم عبر الاصلاحات، لكنه أشار إلى أن التحدي الأكبر هو الإجابة عن السؤال "كيف يمكن أن نصلح مؤسسات الدولة حتى يمكنها أن تواجه التحديات الداخلية والخارجية؟". وتحدث المحاضر كذلك عن المشهد المصري، حيث بدا واضحا دفاع العضو في لجنة الخمسين لتعديل الدستور عن عزل الرئيس السابق محمد مرسي من خلال التبريرات التي قدمها وانتقاده لطريقة حكم جماعة الاخوان المسلمين، رافضا اعتبار ماحدث انقلابا باعتبار أنه تم بموافقة شعبية واسعة. وقال إن ماحدث في مصر هو "رسالة مفادها أننا لسنا على استعداد لاعادة تجارب فاشلة" في إشارة إلى ماحدث بليبيا والعراق وحتى سوريا. ولدى تطرقه إلى الوضع السوري قال عمرو الشوبكي إن السيناريو المصري كان يمكن أن يكون مخرجا للأزمة، ويقصد بذلك تخلي الجيش عن الرئيس حفاظا على مؤسسات الدولة، مشيرا إلى أنه لايمكن رهن سوريا من أجل شخص واحد، بالمقابل اعتبر أن سيطرة الجيش الحر ليس هو الحل كذلك، وأن إسقاط الأسد بالقوة سيؤدي إلى انهيار الدولة السورية، ولذا أكد على ضرورة البحث عن حلول توافقية مع رفض تام لأي تدخل أجنبي بهذا البلد.