تعتبر مسألة التشغيل عند الشباب من الاهتمامات الكبرى في كل الدول سواء المتطورة أو النامية أو في طور النمو، لذا اشتدت أزمةُ التشغيل في العالم منذُ بداية الأزمة المالية سنة 2008، وتحوّلت بسرعة إلى أزمة اقتصادية. وفيما يخص الجزائر، تعتبر الإجراءات الرامية إلى إحداث مناصب شغل وتخفيض مستوى البطالة من الأهداف الاستراتجية لسياسةِ التنمية الوطنية، بهدف إحداث مناصب شغل ومنه امتصاص البطالة، حيث قدم المدير الفرعي للتشغيل بوزارة العمل، السيد خير الدين ابراهيم مؤخرا، دراسة إحصائية بمقر المركز الوطني للدراسات والإعلام والتوثيق حول الأسرة، المرأة والطفولة، سلطت “المساء” الضوء عليها. في بداية الدراسة، عرض المدير الفرعي أهم أسس السياسة الوطنية للتشغيل في الجزائر، حصرها في التركيز على مخطط العمل لترقية التشغيل ومحاربة البطالة المصادق عليه من قبل الحكومة سنة 2008، حيث يعتمد على مسعى شامل ومنسجم قائم على مقاربةٍ اقتصادية في معالجةِ البطالة، إلى جانب دعم الاستثمار المنتج المولد لمناصب الشغل، وتثمين الموارد البشرية من خلال تنفيذ سياسة تكوين وفقا لاحتياجات سوق العمل، مع تنمية المبادرة المقاولاتية لدى الشباب. ويقوم مخطّط العمل لترقية التشغيل ومحاربة البطالة، حسب المدير الفرعي على7 محاور أساسية عددها على النحو التالي: دعم الاستثمار في القطاع الاقتصادي المولد لمناصب الشغل، ترقية التكوين المؤهل بغرض تسهيل الإدماج في عالم الشغل وتحسين قابلية تشغيلِ الوافدين إلى سوقِ العمل... إلى جانب ترقية سياسة تحفيزية تجاه المؤسسات الاقتصادية لتشجيع توظيف طالبي الشغل، من خلال تخفيض هام لحصة رب العمل في الاشتراك في الضمان الاجتماعي، تمديد مدة الإعفاء وترقية تشغيل الشباب سواء فيما يخصُ المبادرة المقاولاتية أو الشغل المأجور.، مع عصرنة تسيير سوق العمل عن طريق تنفيذ برنامج هام لتطوير الوكالة الوطنية للتشغيل وفتح نشاط الوساطة للقطاع الخاص، إلى جانب متابعة آليات تسيير سوق العمل ومراقبتِها وتقييمِها وإنشاء وتنصيب أجهزة التنسيق القطاعي المشترك على المستويينِ المركزي والمحلي. وفيما يتعلق بترقية تشغيل الشباب، يرتكز المسعى المقرر في مخطط العمل، حسب الدراسة، على آليتي دعم التنمية المقاولاتية والشغل المأجور. إضافة إلى القرض بدون فائدة كلاسيكية، يتم ابتداء من سنة 2011 منح قروض أخرى بدون فائدة لحساب أصحاب المشاريع، منها التكفل بإيجار المحلات الموجهة لإنشاء مكاتب جماعية للأطباء، المهندسين المعماريين، المحامين والموثقين واقتناء عربة ورشة بمبلغ 500.000 دج لفائدة حاملي شهادات التكوين المهني لممارسة نشاطات الترصيص، كهرباء العمارات، التدفئة والتبريد، تركيب الزجاج، دهن العمارات وميكانيك السيارات. تحدث المدير الفرعي إبراهيم في الدراسة عن قرار صدر مؤخرا، يخص تمديد الاستفادة من التخفيض بنسبة 100% من نسب فائدة قروض الاستثمارات الخاصة بإحداث أو توسيع النشاطات التي تمنحها البنوك والمؤسسات المالية لكافة المشاريع المبادر بها من طرف أصحاب المشاريع عبر كامل التراب الوطني، وهو إجراء مهم، حسب المتحدث، يصب لفائدة المقبلين على سوق الشغل. كما تستفيد المؤسسات المصغرة المستحدثة من طرف أصحاب المشاريع من عدة مزايا جبائية وشبه جبائية، من تأجيل دفع أصل القرض البنكي. كما سلطت الدراسة الضوء على دعم ترقية الشغل المأجور من خلال تنفيذ جهاز المساعدة على الإدماج المهني الموجّه للشبان من طالبي الشغل المبتدئين البالغين من العمر بين 18 و35 سنة، حيث يقترح هذا الجهاز ثلاثة أنواع من عقود الإدماج وفقا لمستوى تأهيل وتعليم طالبي الشغل المبتدئين.
القانون كرس مبدأ المساواة في سوق العمل تعتبر المرأة عنصرا مهما في معادلة التشغيل، لذا أفردت لها الدراسة حيزا تناول بالتفصيل كيف أن القانون سهل اندماجها في سوق العمل وحماها، حيث جاء في الدراسة أن مبادئ الدستور والتشريع أقرت قاعدة عدم التمييز بين المواطنين، نساء ورجالا، حيث جاء مثلا في المادة 29 من الدستور أن كل المواطنين سواسية أمام القانون، ولا يمكن أن يتذرع بأي تمييز يعود سببه إلى المولدِ أو العرقِ أو الجنسِ أو الرأيِ أو أي شرط أو ظرف آخر، شخصي أو اجتماعي”. بينما جاء في المادة 31: “تستهدف المؤسسات ضمان مساواة كل المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات بإزالة العقبات التي تعوق تفتح شخصية الإنسان، وتحول دون مشاركة الجميع الفعلية في الحياة السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية”. أما في المجال السياسي، فتم إدراج المادة 31 مكرر في الدستور وتنص على: “تعمل الدولة على ترقية الحقوق السياسية للمرأة بتوسيع حظوظ تمثيلها في المجالس المنتخبة”. من جهة أخرى، أفرد القانون بعض الخصوصية في العمل تبعا لطبيعة المرأة، حيث جاء في المادة 55 من قانون العمل: “تستفيدُ العاملات خلال فترات ما قبل الولادة وما بعدها من عطلة الأمومة طبقا للتشريع المعمول به”. ويمكنهن الاستفادة أيضا من تسهيلات، حسب الشروط المحددة في النظام الداخلي للهيئة المستخدمة. وفي آخر الدراسة، استعرض المدير الفرعي الجانب الاحصائي الخاص بقطاع العمل قائلا:”إن عدد العاملات في الوظيف العمومي بلغ 607.160 امرأة عاملة، أي ما يعادل نسبة 31,8 % من العدد الإجمالي للعاملين، لاسيما في قطاعي الصحة والتعليم، حسب المعطيات المستقاة من المديرية العامة للوظيفة العمومية. وحسب معطيات الديوان الوطني للإحصائيات، تكشف أن نسبة اليد العاملة النسوية من إجمالي عدد السكان المشغّلين من 14,59 % سنة 2005 انتقلت إلى 16,3 % عام 2011.
الحماية القانونية للطفل في سياسة التشغيل كشفت الدراسة في مجال الحماية القانونية للطفل عن اتخاذ إجراءات صارمة في تشريع العمل، لاسيما في القانون رقم 90-11 المؤرخ في 21 أفريل 1990 المتعلق بعلاقات العمل المعدّل والمتمّم، حيث تنصُّ المادة 15 منه على أن السن الأدنى للتوظيف لا يمكن أن يكون أقل من ستة عشر سنة، إلا في إطار عقود التمهين المعدة طبقا للتشريع والتنظيم الساريي العمل بهما، كما لا يمكن توظيف العامل القاصر إلا بناء على ترخيص من وصيه الشرعي، ولا يمكن توظيف الطفل في أشغال خطيرة ومضرة بصحته الجسدية والعقلية، غير أن ما يحدث في أرض الواقع حسب المدير الفرعي للأسف الشديد، مخالف لما ينص عليه القانون، حيث يتم استغلال الأطفال للعمل في الأسواق الموازية، لذا تم سنة 2003 تنصيب لجنة بين القطاعات للوقاية ومكافحة عمل الأطفال من قبل وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي. تتشكل هذه اللجنة من 12 قطاعا وزاريا وممثل عن الاتحاد العام للعمال الجزائريين، حيث كُلّفت هذه اللجنة الدائمة بتحديد نشاطات الوقاية من عمالة الأطفال، بتحسيس الرأي العام حول آثارها السلبية، بتنسيق تدخلات مختلف القطاعات الوزارية والهيئات في هذا الشأن. وتوصلت الدراسة الإحصائية في مجال سياسة التشغيل إلى أن تطور عدد التنصيبات في القطاع الاقتصادي قفز من 155.272 سنة 2008 إلى 262.990 عام 2012، أي بزيادة 69,37 بالمائة خلال هذه الفترة، نتيجة تطبيق الإجراءات التحفيزية لإحداث فرص العمل. كما تم تنصيب 241.993 شاب طالب شغل لأول مرة خلال سنة 2012، مقابل 660.810 مدمج سنة 2011، ويقدر المجموع الكلي ب 1.617.858 شاب مدمج منذ الشروع في تطبيق هذا الجهاز في جوان 2008 إلى غاية نهاية سنة 2012.