يسدل الستار اليوم بالمتحف العمومي الوطني للزخرفة والمنمنمات وفن الخط بقصر ”مصطفى باشا” بالقصبة السفلى، عن فعاليات المهرجان الثقافي الدولي للخط العربي في طبعته السادسة بمشاركة 23 دولة و59 فنانا أجنبيا و70 فنانا جزائريا زيّنوا بإبداعاتهم فضاءات القصر من خلال عرض 195 لوحة. امتد المعرض عبر الطابقين الأرضي والعلوي لتشهد المعروضات على قوة الإبداع وتطوّره خاصة عند الفنانين الجزائريين الذين أثبتوا حضورهم وباتوا ينافسون الروّاد خاصة، من الأتراك والإيرانيين أصحاب كل إبداع وفن. تجوّلت ”المساء” في الأروقة المخصّصة للعرض، ولفت انتباهها المشاركة القوية للفنانين الصينيين الذين خطّوا الحرف العربي بدقة وتفنّن لا مثيل له، مستعملين الورق والحبر الصيني ذا السواد القاتم، ومن ضمن ما تم عرضه لوحات للفنان الصيني المسلم محمد يوسف (يجيد التحدث بالعربية) منها مثلا لوحة كتب عليها ”وكلوا واشربوا ولا تسرفوا”، كما قدّم الفنان الصيني شان كون الكثير مثل ”يا فتاح يا كريم” و"الحكمة” وغيرهما من اللوحات العملاقة التي اتّسع فضاؤها للغة الضاد، ولم تغب الكتابة الصينية بل ظهرت في شكل مصغّر في جانب اللوحات، كذلك الحال مع صيني آخر هو مرسي الصيني الذي قدّم عدّة لوحات منها ”كان الناس أمة واحدة” مع التركيز على كلمة كان وكأنّ الحال لم يعد هو الحال اليوم. وغير بعيد، يعرض الفنان الجزائري حسين عيسى ”النعمة” من خلال مشهد فسيفسائي أزرق مزهر بتقنية المنمنمات يسطع فيه الخط المذهب وسط ملكوت ساحر، وفي لوحة أخرى ”سيف الأمير” ينتصب هذا الأخير مشّعا وسط الحروف التي تتشابك كفروع الأشجار، كما يعرض أيضا مصطفى محمد خضير من مصر ”ربنا افرغ علينا صبرا” مستعينا في ذلك بالمنمنمات، أما الفنانة فاطمة أولو صاي من تركيا فخطت ”ورحمتك وسعت كل شيء” و"تبارك اسم ربك” وتبدو الحروف كأنها متداخلة. الفنان الجزائري دوخ عبد الغني قدّم آيات قرآنية بأشكال هندسية وبالمنمنمات ذات الألوان الزاهية، كذلك الحال مع الفنان الأستاذ صفرباتي محمد الذي رسم بخطه ”قصيدة شعرية” في مدح سيدي بومدين وبدت وكأنّها مخطوط منقول من متحف لفرط إتقانها، فيما اكتفت مريم محمد مصطفى هصيص من الأردن باسم الجلالة الذي يغني عن كل شيء وخطّته على السيراميك. كعادة الجزائريين المولعين بالإبداع والتجديد، كتب الفنان العيدي الطيب كلماته بالأسلاك الفضية وعلى خلفية ملوّنة بأسلوب المدرسة التجريدية وحرص أيضا على أداء الحروف وهي متطايرة، وبالنسبة لزينب بحري اكتفت بحرف الجيم الضخم وهو منغلق على نفسه يبدو وكأنه قطعة معدنية. الفنان زكي علي حسن سيف القادم من اليمن كتب ”سورة الكوثر” واعتمد فيها على إبراز حرف الواو والألف ليكتب بينها آيات السورة، واجتهد المصري الهواري أحمد حسن في إبراز ”إنه وحي يوحى”. في جولتها بالمعرض التقت ”المساء” بفنانين قادمين من ولاية الجلفة جاءا للاستمتاع بما عرض كلاهما خطّاط، الأول هو قويدري محمد عبد الجليل والثاني هو قصري عباس اللذان أكدا أن فن الخط أصبح يحضر الساحة الثقافية الجزائرية بقوة خاصة منذ سنة 2005، كما أشادا بمشاركة صفرباتي المتحصّل على العديد من الجوائز الدولية، وتحدثا عن الدكتور محمد بن سعيد شريفي الذي رسّخ هذا الفن بالجزائر منطلقا من مسقط رأسه غرداية وكوّن الكثيرين منهم صفرباتي وأيضا مصطفى كوادري البارع في ”الحروفيات” وفي الفن التشكيلي الخاص بفن الخط، كما أكد الضيفان أنّ المعرض يطغى عليه خط النسخ والثلث، وتحدثا ل"المساء” بالمناسبة عن أعمال الأستاذ محمد بوعبد الله في الجلفة، الذي عاد مؤخرا بجائزتين من تركيا وهو معروف داخل وخارج الوطن. كما التقت ”المساء” بالفنان الإيراني محمود زندي رودي (مقيم بمونبوليي الفرنسية) الذي أكّد حضوره في كل الطبعات السابقة، حيث قال ”كل سنة أحضر فيها إلى الجزائر ألاحظ مدى تطوّر هذا الفن ففي البدايات كان يبدو متواضعا لكنه قفز به الجزائريون اليوم إلى القمة، وهذا حسب رأيي تأتى بفضل الاحتكاك وتبادل الأفكار واكتشاف التقنيات”، وأضاف ”أنا من أصفهان المعروفة بتاريخها وفنها والتي نسميها في إيران نصف العالم، عملت صحفيا ثم عدت للفن ورسمت على القماش منه القميص الذي أرتديه وعملت بعجينة الورق وشكّلت منها حروفا وأرقاما أعيد تثبيتها على اللوحة ولا تهمّني المعاني والرسائل بقدر ما يهمني الحرف في حدّ ذاته وإبراز قيمته الجمالية كخط عربي”. وعبّر الفنان الإيراني عن ارتباطه بالجزائر التي عشقها قبل أن يراها، وتربى مع أجيال من الإيرانيين على قدسية ثورتها التحريرية التي تعدّ ظاهرة إنسانية وكونية خالدة، كذلك الحال بالنسبة للشعب الجزائري، الذي اكتشف فيه حبه للإيرانيين الذين تجمعه بهم الروابط المتينة وعلى رأسها الإسلام”، وللإشارة فإن محمود زندي رودي كان عضو لجنة تحكيم مسابقة المهرجان السابقة، كما حاز من قبل على جائزة المهرجان الثانية ثم الأولى، وتعرض بقصر ”مصطفى باشا” 4 من لوحاته. شارك أيضا الفنان الإيراني المعروف أحمد فلسفي (عضو في لجنة التحكيم) الذي خطّ قصيدة البوصري بالخط الفارسي الذي أصبح محل اهتمام الجزائريين، وأكد هؤلاء الفنانون أن المدارس التعليمية بإيران تدرج مادة الخط في برنامجها التعليمي لتساعد النشء على تحسين الخط والعمل على ترقية الجمال وحسّ الذوق منذ الصغر. وعلى العموم يبقى المعرض علامة في فن الخط وقيمة سمحت باستقبال أكبر الأسماء من الداخل والخارج.