عاد الاهتمام في الآونة الأخيرة و خاصة في الناحية الغربية من الوطن بالفن المسرحي المسمى " إيراد " حيث زاد عدد الفرق المهتمة بهذا النوع و الذين يرونه لبنة مكرّسة للهوية، ينبغي الحفاظ عليها من خلال مناخ جزائري صميم ينبض بالحياة و قد كسبت جمهورا من كل الفئات أخذ يتفاعل معها أكثر فأكثر . يقول دارسون إنّ نشوء مسرح إيراد (كلمة معناها أسد) يعود إلى قرون خلت بمنطقة "بني سنوس" الجبلية الأمازيغية جنوب غربي ولاية تلمسان ، وينبني الشكل الدرامي لإيراد على مزيج من التمثيل والغناء والرقص، في توظيف ينم عن براعة جزائريي الزمن الأول في توظيف الشعر والقصص والأساطير الشعبية. ويشرح الباحث المسرحي الجزائري "علي عبدون"، أنّ مسرح إيراد يشترك فيه غالبا عشرة شبان، ويقوم هؤلاء بارتداء أقنعة وجلود العجول أو الماعز، ويتجولون تحت ايقاعات الطبول وسط سلسلة من الطقوس الاحتفالية والتشكيلات الفنية. ويلفت عبدون الذي يدير فرقة ركحية محلية، إلى الطابع الدرامي الجمالي الذي يميز لوحات مسرح إيراد، كما يضيف عبدون وهو صاحب فكرة إعادة الاعتبار لهذا الإرث الثقافي العريق منذ خمسة عشر سنة، أنّ مسرح إيراد انبثق عن عيد زراعي يمثل ظاهرة اجتماعية بعينها، إذ يواظب آل بني سنوس وهم مجموعة من الأمازيغ، على إحياء العيد المذكور لغاية تضامنية في مطلع يناير من كل عام، ابتهاجا بحلول رأس السنة الأمازيغية، وتيمنا بمجيء سنة زراعية جيدة خضراء. من جانبه، يقدّر المخرج المسرحي الجزائري البارز "محمد إسلام عباس" أنّ "إيراد" يمكن أن يقدم الكثير لمسرح اليوم، لا سيما في ظلّ تنوعه وثراءه وتموقعه كمصدر اجتماعي إيحائي متعدد الأبعاد، وهو من شأنه الإسهام في إلهام رجالات المسرح ودفعهم إلى ابتكار نصوص ركحية مغايرة. بدوره، يرى الناقد المسرحي "إبراهيم نوّال" في إيراد ليس شكلا ركحيا فريدا فحسب، بل عملية تأريخية شاملة للمسرح في الجزائر، ما يستدعي المزيد من البحوث والدراسات حول تراث يُبرز عطاءات وقيمة مواهب فنية عصامية لدى مواطنيه، كون الأقنعة والأزياء المستعملة معدّة من لدن شباب لم يتحصلوا على أي تكوين أكاديمي، شأنهم في ذلك عموم الممثلين الذين لم يسبق لأحد منهم أن تلقى درسا في التقمص، ويبدي نوّال أسفه لكون مسرح إيراد ظل بعيدا لمدة طويلة عن ممارسي الفن الرابع في الجزائر، رغم كونه يمثل مقدمة تأصيلية مثلى لفعل مسرحي قار. ويذهب المسرحيان "كمال جايب" و"جمال قرمي" إلى أنّ تجربة إيراد مغرية على صعيد مسرحة التقاليد الشعبية بشكل عام، خصوصا وأنّ إيراد نموذج استعراضي تعبيري يمتلك مقومات الفرجة والإمتاع، مثلما يصرّ جايب وقرمي على أنّ التحدي يكون مضاعفا من خلال تجسيد معادلة هامة تكفل مزج تقاليد عريقة بوسائط ركحية مستحدثة. وتنقل مراجع جزائرية عن المستشرق الفرنسي "إيدي دستانغ" قوله أنّ قدماء الجزائريين كانوا يمارسون مسرح إيراد في يوم نفقة اللحم أو ما يُعرف محليا ب"يوم نفقة الكرموس.