خرج أمس عشرات الآلاف من الجزائريين في مسيرة عفوية ضخمة لم تشهدها الجزائر تضامنا مع المقاومة الفلسطينية في غزة، بعد أن رخصت السلطات الجزائرية لأول مرة منذ 17 سنة بتنظيم مسيرات شعبية وذلك ضد العدوان الاسرائيلي الغاشم على غزة. وقد شهدت تلك المسيرات انصهار مختلف الأحزاب السياسية والتنظيمات الجماهيرية والشخصيات الوطنية والمجتمع المدني وعموم الشعب. وتدفق الألوف من المصلين عقب صلاة الجمعة ومن مختلف مساجد العاصمة خاصة من الأحياء الشعبية في باب الوادي والحراش وباش جراح وبلكور على الشوارع الرئيسية في الجزائر الوسطى مشكلين أمواجا بشرية تعلوها هتافات وتصفيقات أفرغ فيها العاصميون شحنات غضبهم المكبوتة على ما يحدث من مجازر ومذابح في غزة على أيدي الإسرائيليين وعلى مرأى من العالم. أول الحشود من المتظاهرين وصلت إلى شارع حسين عسلة بالقرب من المجلس الشعبي الوطني ومقر الولاية قادمة من ساحتي الشهداء وبور سعيد ومن باب الوادي، وحاولت في البداية قوات الأمن منعهم من مواصلة المسيرة في شارع حسين عسلة، لكن حدثت بعض المناوشات الخفيفة مع قوات الأمن بسبب عدم وجود منظمين للمسيرة التي كانت عفوية ولم تتبنها أي جهة للاستجابة لنداء رئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي بجعل يوم الجمعة يوما للتضامن مع غزة، وهتف المتظاهرون في البداية بشعارات "فلسطين فلسطين فلسطين الشهداء"، و"لا إله إلا الله عليها نحيا وعليها نموت وفي سبيلها نجاهد وعليها نلقى الله"، "بالروح بالدم نفديك يا غزة". وكادت تنلفت الأمور بعد أن أصر الشباب الغاضب على مواصلة المسيرة إلى شارع العقيد عميروش مما أدى إلى رشق بعض المحلات بالحجارة، وأدى تعامل قوات الشرطة بحكمة مع الوضع إلى احتواء الأمر بعد السماح للمتظاهرين في التحرك باتجاه ساحة الشهداء، وأصبحت بعدها الأمور أكثر تنظيما خاصة بعد تدفق مزيد من المتظاهرين من مساجد بلكور وأول ماي رافعين شعارات "غزة غزة رمز العزة"، "لن نرتاح حتى يصل السلاح"، "من الجزائرلفلسطين، شعب واحد موش ثنين"، وتأكيدا على دعم الشعب الجزائري للمقاومة الإسلامية في فلسطين راح المتظاهرون يهتفون "حماس" ثم يصفقون، ويرددون "جيش شعب معك يا حماس"، وهاجموا بعض الحكام العرب متهمين إياهم بخيانة فلسطين. كما شاركت مئات من النساء من أعمار مختلفة في هذه المسيرة، رافعات لافتات وشعارات تنادي بنصرة غزة وفي إحدى اللافتات كتب تساؤل "هل شافيز عربي يا عرب؟" للتعبير على أن طرد الرئيس الفنزويلي للسفير الإسرائيلي كان أكثر عروبة من موقف بعض الأنظمة العربية. وانتقلت المسيرة التي جابت العاصمة من ساحة الشهداء إلى ساحة أول ماي على طول نحو كيلومترين وتجمع المتظاهرون أمام سفارة فلسطين بشارع فيكتور هيغو رافعين الأيدي وصارخين "بالروح بالدم نفديك يا غزة"، كما توجه متظاهرون إلى السفارة الأمريكية في الأبيار، ولكن قوات الأمن منعتهم من الاقتراب منها، ونظرا للعدد الكبير من المتظاهرين فقد أصبحت أكبر شوارع الجزائر الوسطى وسيدي امحمد وضواحيهما تغلي بالمتظاهرين الذين بالتأكيد رسائلهم وصلت وبوضوخ. وللتذكير شهدت أول أمس الخميس مختلف ولايات الوطن مظاهر التضامن مع سكان قطاع غزة المحاصرين. ففي ولاية البويرة نظمت وقفة تضامنية مع غزة نشطها الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عبد العزيز بلخادم الذي طالب في كلمته ب "ألا يخذل العرب صمود غزة". وقال بلخادم "ان المطلوب الآن من العرب ألا يخذلوا صمود غزة بالابتزاز السياسي، بل عليهم إصدار قرارات لوقف آلات الدمار وفتح المعابر" مضيفا ان "غزة صامدة وثابتة ولا يمكن إطلاقا أن يسلب منها هذا الصمود بتنازلات على مستوى قرارات سياسية". ومن جهته، حث أبو جرة سلطاني في تجمع تضامني مع سكان قطاع غزة المحاصرين، الشعب الفلسطيني وجميع تنظيماته ومقاومته على الاستلهام من تاريخ الجزائر الثوري المليئ بالتضحيات مذكرا بمجاز 8 ماي 1945 التي كان شهداؤها "وقودا لثورة التحرير"، كما دعا رئيس حركة مجتمع السلم إلى تأسيس صندوق جزائري لإعادة إعمار قطاع غزة من خلال جمع مليار دولار من أموال الزكاة والمتبرعين من المواطنين ورجال الأعمال والمؤسسات. وبولاية الأغواط أعلن القائد العام للكشافة الإسلامية الجزائرية نور الدين بن براهم عن "إنشاء صندوق وطني لدعم أطفال قطاع غزة" يندرج في إطار مبادرات تضامن الجزائر مع أطفال فلسطين. وأوضح بن براهم في لقاء مع الإطارات الكشفية وممثلي المجتمع المدني بمدينة عين ماضي أن "التبرعات انطلقت من أجل توفير هذا الدعم للأطفال الفلسطينيين" داعيا الى تقديم كل أشكال التبرعات للتخفيف من معاناة أطفال قطاع غزة الذين يتعرضون لأبشع طرق الابادة من طرف الآلة الحربية الإسرائيلية. وبولاية سكيكدة حيث أخذت سبل التضامن مع الفلسطينيينبغزة أشكالا متنوعة وزعت وكالة خاصة للإشهار شارات مكتوب عليها عبارة "كلنا مع غزة". وقد تجاوب سكان سكيكدة مع هذا الشكل من أشكال التنديد بالعدوان الاسرائيلي على غزة علقوا هذه الشارات على واجهات المحلات التجارية والسيارات وعلى صدورهم. كما شهد المركز الثقافي "عيسات إيدير" بوسط مدينة سكيكدة نفس أجواء التضامن مع الشعب الفلسطيني الصامد والتنديد بسياسة الأرض المحروقة التي يمارسها الاحتلال الاسرائيلي. أما بمدينة العين البيضاء بولاية أم البواقي فقد شارك زهاء 5000 طالب من الثانويات والمتوسطات مسيرات عفوية تنديدا بالعدوان الصهيوني على سكان غزة مطالبين بتحرير فلسطين. وعبر هؤلاء الطلبة عن غضبهم واستنكارهم لما يحدث من تقتيل في غزة منددين بحرب الابادة التي ينفذها جيش الاحتلال في هذا الجزء من فلسطين. وقد رفع المتظاهرون الأعلام الفلسطينية وصور الفضاعات المرتكبة في حق أبناء غزة المحاصرة مطالبين بالإيقاف الفوري للعدوان الاسرائيلي الهمجي على غزة وبفتح المعابر حتى يتسنى انقاذ الجرحى من الموت وإيصال الحليب لما تبقى من أطفال. وبولاية غليزان قام عشارات التلاميذ الثانويين بالتظاهر عبر شوارع عاصمة الولاية حاملين الرايات الفلسطينية ولافتات تستنكر وتدين الاعتداء الوحشي لقوات الاحتلال الاسرائيلي على سكان قطاع غزة المحاصرين. وردد المشاركون في هذه المسيرات شعارات تدعو المجتمع الدولي للتدخل من أجل وضع حد للمجازر الشنيعة التي يتعرض لها الفلسطينيون ولتقديم المساعدة والدعم العاجل للشعب الفلسطيني الصامد معتبرين أن الحل هو في انهاء الاحتلال وتمكين الشعب الفلسطيني من استرجاع حقوقه المشروعة وإقامة دولته المستقلة. واحتضنت جامعة 20 أوت 1955 من جهتها تظاهرات عديدة طيلة الأسبوع من تنظيم منظمات طلابية جزائرية بالتنسيق مع الطلبة الفلسطينيين. وفي مظاهرات بالجامعة عبر آلاف الطلبة والطالبات عن غضبهم لما يتعرض له سكان قطاع غزة من عمليات ابادة منددين بالاحتلال اسرائيلي.