كم من الكنور الإنسانية تطويها الأزمنة وتظل مغمورة دهرا طويلا ثم يقيض الله من ينبش غورها فتبدو للعيان كأنما تكونت لساعتها، قيض لها من يخرجها من ظلمات الإهمال إلى الإنبهار والكينونة الفاعلة لها هويتها وأصداؤها المدوية في سماء الأدب والرياضة. يُعرف الشاعر والباحث الدكتور ياسين الأيوبي في كتابه ''شعراء مغمورون'' مجموعة من الشعراء المرموقين بعد أن دفنهم الزمن واحتجبت عنا إبداعاتهم. تحدث الكاتب واختار شعراء ما بين القرن الأول للهجرة والقرن الثامن أي من السابع الميلادي حتى الرابع عشر، يقع الكتاب في خمسمائة وثمان وستين صفحة عن دار النشر (رشاد) في بيروت. ربط الكاتب كل شاعر بعصره وربط العصور فيما بينها مشيرا إلى التغيرات التي طرأت على حركة الشعر العربي في أساليبه وموضوعاته بعرض شيق ومتسق ولغة جميلة حتى بلغ أربعة وثلاثين شاعرا مغمورا أمثال الوليد بن عقبة الشمردل، الحكم بن عبدل، حيث يفتتح الكاتب مصنفه بالتعريف بالشاعر وينتهي بالحديث عن أسلوبه الشعري وخصائصه موضحا ما غمض من كلمات معرجا على نشره الأدبي، وهناك فائدة ليست بقليلة حيث قام الكاتب بنوع من الكشف والمسح الشامل عن مجموعة من القواميس للشعراء والأماكن (فهرس) أعانته عليها مشاربه الغنية مثل كتاب الأغاني وديوان الحماسة وخزانة الأدب والكامل في التاريخ، صفوة القول أن للكتاب فوائد كثيرة فهو يمثل بضاعة علمية في اللغة والشعر والأدب لما يقدمه من نماذج وصور عن الحياة الفكرية والتاريخية لهؤلاء الشعراء. لا أدعّي أن ما سأقدمه حول هذا ا لمصنف سيكون قراءة نقدية إنما هي قراءة انطباعية تحاول أن تقترب من مضمون وجماليات هذا الكتاب إلا أن هناك وجهة نظر يمكن تطويرها والإضافة إليها تمكينا للقارئ من الإفادة من مجموعة من النصوص الشعرية لشعراء جزائريين لم ينصفهم الزمن أيضا، وقد أفاض الدكتور عبد الملك مرتاض في كتابه الأدب الجزائري القديم مثل بكر بن حماد الذي ولد سنة 200 ه وسعيد بن واشكل التيهرتي وأفلح بن عبد الوهاب وابنه محمد الرستميين وفضل بن نصر التيهرتي كما ذكرهم الدكتور وكلهم شعراء جزائريون مغمورون.