سمح المهرجان الثقافي الإفريقي الأول الذي احتضنته الجزائر سنة 1969 من خلال برنامج ثري قدمه فنانون من مختلف الاختصاصات بابراز طبيعة و تنوع الثقافة الافريقية في فترة كانت عدة دول من القارة تعيش غمرة الحرية بعد سنوات من المقاومة ضد المستعمر. وكان المهرجان الاول للثقافة الافريقية الذي جرى من 21 جويلية الى الفاتح من أوت بالجزائر بعد سبع سنوات من استقلالها كان فرصة لاظهار قدرات الثقافة الافريقية التي ساهمت في حركات التحرر وعززت الوحدة الافريقية و جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية في القارة. ورغم ان بعض دول القارة السمراء كانت انذاك لازالت ترزح تحت قهر الاستعمار الا ان ممثلي حركاتها التحررية شاركوا في مهرجان الجزائر وأعطوا صدى لكفاحهم من أجل الاستقلال على غرار انغولا وناميبيا وغينيا بسو والحركة المضادة للتمييز العنصري بجنوب افريقيا. الرئيس الراحل هواري بومدين أكد أنذاك في كلمة ألقاها بمناسبة الافتتاح الرسمي للمهرجان أن "الثقافة بمثابة الاسمنت لكل مجموعة اجتماعية والمحافظة عليها ستنقذنا من محاولات جعلنا شعوبا بدون روح و لا تاريخ" واصفا هذا المهرجان ب"الجزء الذي لايتجزأ من الكفاح الذي تقوده شعوب القارة من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية". وأضفى المهرجان الاول للثقافة الافريقية على ليالي العاصمة طابعا خاصا زاد في بهائها و تألقها من خلال تزيين شوارعها بمصابيح ضخمة زاهية الالوان وبلوحات تحمل رموز الفن الافريقي الاصيل تم وضعها بالمناسبة بالمحاور الكبرى للمدينة. وطافت مجموعات من الفرق الفلكلورية من مختلف دول القارة بشوارع العاصمة مقدمة للجمهور عروضا و لوحات معبرة عن الفن الافريقي الاصيل تجاوب معها هذا الجمهور بشغف كبير. وحظيت هذه التظاهرة الثقافية المميزة بتغطية اعلامية واسعة قام بها 300 صحفي من بينهم 200 مراسل خاص عرفوا العالم أجمع بمختلف أوجه الثقافة الافريقية في مجال السينما والمسرح والادب والموسيقى والمعارض الفنية. كما تم بالمناسبة تنظيم عدة سهرات موسيقية بالمسرح الوطني الجزائري وقاعات الاطلس والموقار وافريقيا وهي قاعات كانت قد دشنت أياما قلائل قبل انطلاق المهرجان بالاضافة الى عروض أخرى قدمت بالهواء الطلق. وشهدت قاعات العرض --حسب ما تناولته وسائل الاعلام في تلك الفترة-- اقبالا غفيرا للجمهور للاستمتاع بأغاني بعض الاسماء اللامعة في عالم الفن شاركت في المهرجان مثل مريام ماكيبا "ماما أفريقيا" والفنان الامريكي-الافريقي ماكس رواش ومطربة الجاز أبي لينكولن والمطربة التونسية علية و فيكي بلاين من غامبيا. كما سجل الثنائي مريام ماكيبا و محمد العماري حضورا مميزا خلال هذه التظاهرة بتأديته للاغنية التي تحمل عنوان "افريقيا" و المعبرة عن معاناة القارة وكفاح شعوبها من اجل الحرية و الاستقلال بأنغام ثورية باعثة للامل. وبالموازاة مع النشاطات الفنية تم تنظيم ملتقى حول الثقافة الافريقية احتضنه قصر الامم بنادي الصنوبر حيث تناول المشاركون واقع الثقافة الافريقية ودورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية و كأداة لتوحيد القارة. وأكد وزير الاعلام انذاك الراحل محمد الصديق بن يحي الذي ترأس الملتقى أن صائفة 1969 "ستسجل كتاريخ حاسم تقرر بداية منه في جو من الاخاء و الذكاء مباشرة مرحلة جديدة من تنمية القارة".