السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أنا فتاةٌ في أواخر العشرينيات، وقد تقدَّم لي شابٌّ منذ سنتين، وهو مِن أقاربي، ولكن العَلاقات كانتْ مقطوعةً، ولم أسمعْ عنهم إلا في السنوات الأخيرة؛ ولكنني كنتُ أرفضُه بشدة؛ لأنني أفضل منه في نواحٍ كثيرةٍ، وهنالك تفاوتٌ كبيرٌ في المستوى المادي والاجتماعي، والتعليمي والوظيفي، كما أنه لم يتحمَّلْ مسؤولية بيته؛ لأنه يعمل في مكانٍ تكون إجازته فيه أسبوعين كل شهرين. ووالداي لم يكونا مقتنعينِ بهذه الفوارق، ولكن الهدف هو الزواج؛ كنتُ تحت ضغط شديدٍ مِن أمي، خاصة أنه لم يتقدم لخطبتي أحد، وكنت آنذاك في منتصف العشرينيات، كما أنه جميل مِن الناحية الشكلية، المقرَّبون منه يُشِيدون بهدوئه وأدبِه، ولكن قدَّر الله ولم تكتمل الخِطْبة؛ لأسباب كثيرةٍ. بعد مرور عامَيْنِ تقدَّم مرة أخرى مُعتذرًا عمَّا حدث مِن قبلُ، وتعرَّضْتُ للضغط الشديد والمستمر مرة أخرى من أهلي، وطال لمدة شهر كامل، لكني لم أستطعِ الصمودَ أمامهم، وتمت الخِطْبة، وشعرتُ منهم أنهم مهتمون بي جدًّا! وبعد مرور أشهرٍ على الخِطْبة اكتشفتُ المزيد مِن الاختلافات في التديُّن، والفِكر، والطُّموح، والطِّباع؛ كما أنه يتقبل أي شيء أقوله، ولا يحاول أن يسألني عن شخصيتي، وطريقة تفكيري، وعندما أُفَكِّر في الأمر أبكي مِن شدَّة الحزن والأسى؛ خاصة أني لم ألمسْ فيه نزعة الرجولة والغيرة؛ كما أشعر بأنه يتمسك بي بدافع الطمَع المادي، والواجهة الاجتماعية، وليس لشخصي؛ وذلك لشعوري بالاصطناع والتكلُّف في كلامه. أنا أميل إلى إنهاء الخِطْبة؛ فهل لو أنهيتُها يعني ذلك أنني أتكبَّر كما تقول أمي؟ مع العلم أنني صليتُ صلاة الاستخارة كثيرًا قبل وبعد الخِطْبة؛ ولا أعلم بماذا أشعر؟! الرجاءُ نُصحي؛ لأنني لم أجدْ مَن يعطيني رأيه بحياديةٍ. الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم بدايةً اسمحي لي أن أقول لك: إنَّ الزمن اليوم تغيَّر، وسنُّ الزواج أيضًا تغيرتْ، فمعدَّل سن الزواج تعدَّى اليوم سن الثلاثين، وإذا لم تقتنعي بإنسان مائة بالمائة، فلا تقدمي على فكرة الزواج منه. فيا عزيزتي، لا تخضعي للضغوطِ التي حولكِ، ولا تخافي مِن أن يفوتكِ القطار، ففوتُ القطار أرحمُ ألف مرة مِن زواجٍ مبنيٍّ على أركان ضعيفة غير ثابتة، وسارعي إلى فسخ الخِطْبة، والتفكير المتأنِّي البعيدِ عن ضغوط الأهل وهواجس نفسكِ. خطيبُك أنتِ مَن ستقيِّمين مدى توافُقكِ معه، وأنت مسؤولة عن قراركِ واختياركِ، فعليكِ إعادة دراستِه ووضْعه وتصرفاته كلها تحت المجهر، بعيدًا عن أيِّ عاطفة معه أو ضده. ولكن أُطالبكِ بأن تنزلي قليلًا مِن بُرجكِ العالي وأنت تقيِّمين خطيبك، وتسألي نفسك، هل يُريد أهلكِ فقط تزويجَكِ منه خوفًا عليكِ؟ فلماذا تقولُ أمكِ، إنكِ تتكبرين، ثم انظري إلى دينه وأخلاقِه، فلا أظن أن أهلكِ سيزوِّجونكِ مِن رجلٍ غير مصلٍّ، أو لا يخاف الله تعالى. لا تُديري أذنكِ للآخرين ممن يشعركِ بأنكِ أفضلُ منه أو أعلى مستوى، فلا يوجد إنسانٌ كامل، ضَعِي حسناتِ خطيبك في كِفَّة وسيئاته في كِفَّة، ولكن بموضوعية، وبعيدًا عن أيِّ تأثيرات خارجيَّة أو داخلية، ولا تنسي أنَّ فترة الخِطْبة وُجِدتْ للتعرُّف على بعضكما البعض، والأشْهُر القليلة التي قضيتِها لا تكفي لتقيميه، فأعطي لنفسكِ فرصةً أطولَ، وأعطيه أيضًا. أما بالنسبة لمسألةُ أنه أقلُّ منكِ مستوى في المال أو المكانة ليستْ عائقًا لزواج ناجح، فكلاكما سيكمل الآخر، واعتبري من زواج رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام، من خديجة رضي الله عنها. وأذكرك أن لا أحد غيركِ يُمكنه أن يقرِّر ترْكَه أو البقاء معه؛ فأنتِ المعنيَّة، وأنت المتضرِّرة، وأنت التي ترين ما لا يراه غيركِ، فكَّري جيِّدًا، وإياكِ والتسرُّعَ، حتى لا تندمي لاحقًا. وفَّقكِ الله، وأنار دربَكِ وبصيرتكِ