كما كان منتظرا أعلنت فرنسا على لسان رئيسها فرانسوا هولاند بدء العمليات العسكرية في مالي، ضد الجماعات الإسلامية المسلحة التي تسيطر على شمال مالي، وهي منطقة متاخمة للحدود مع الجزائر. لكن ما يثير الإنتباه أن الرئيس الفرنسي لم يحدد طبيعة مهمة القوات الفرنسية بالضبط، كما أنه لم يحدد مدتها الزمنية. فقد ذكر هولاند أمام صحفيين في باريس أن القوات المسلحة الفرنسية بدأت عملية عسكرية في مالي بعد ظهر يوم الجمعة "من أجل مساعدة الحكومة المركزية على وقف زحف الجماعات الإسلامية المسلحة نحو جنوب البلاد". في إشارة إلى وجود إتفاق مسبق مع الحكومة المالية بشأن تدخل الوحدات العسكرية الفرنسية في مالي، وهو ما يفسر موقف الحكومة المالية التي ظلت تطالب بضرورة الإسراع في تجسيد ذلك التدخل. كما قال الرئيس الفرنسي أن "القوات الفرنسية قدمت دعمها بعد ظهر اليوم لوحدات جيش مالي لقتال عناصر إرهابية"، موضحا أن "هذه العملية ستستمر ما تطلب الأمر ذلك"، وفق تعبيره. وذلك ما يعني ضمنيا أن المهمة التي كلف بها الجيش الفرنسي في مالي قد تطول، وعادة في مثل هذه الظروف ما يتحدث الساسة عن مهام لا تتعدى أسابيع، لكن الرسالة التي أراد هولاند توجيهها إلى الرأي العام الفرنسي بالدرجة الأولى مفادها أن المهمة قد تطول في الزمن، وقد يعقب ذلك تصريحات أخرى تكون أكثر دقة، حينما تتضح الرؤى أكثر وتخرج إلى العلن أولى نتائج هذا التدخل. قد لا يكون كلام هولاند الموجه للفرنسيين مقنعا بما أنه لا يتحدث صراحة عن الهدف المتوخى من التدخل، الذي لا يعرف طبيعته إلى حد الآن، وكذلك الأمر بالنسبة للتعداد المقحم في العمليات والآليات والمعدات اللوجيستية المستخدمة، فذلك وحده كفيل بأن يعطي فكرة عن ماهية هذا التدخل. هولاند الذي وعد مواطنيه بمدهم بكل المعلومات الضرورية الخاصة بالعمليات العسكرية في مالي وكذلك الأمر بالنسبة للجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان)، سيكون مطالبا بإقناع الفرنسيين عن سبب غياب أي إشارة للتدخل العسكري إلى تحرير الرهائن الفرنسيين الذين تحتجزهم الجماعات الإسلامية المسلحة منذ أكثر من عامين، إلى جانب إقناعهم بالطريقة التي سيتم وفقها تمويل هذه الحرب. خصوصا وأن مظاهر الأزمة الاقتصادية والمالية في فرنسا بدأت تستفحل. فهل سيقول لهم بعد أيام، أو ربما أسابيع، أن قطر مثلا أو دولة خليجية أخرى أو الاثنين معا هما من مولا تلك الحرب التي لم تتضح معالمها وغايتها إلى حد الآن؟ اللهم إلا إذا كان الأمر يتعلق باستهداف الجزائر، بطريقة أو بأخرى، مثلما تشير إلى ذلك تقارير عديدة. أما بخصوص التنظيم الإرهابي المسمى "القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي" فقد هدد "كعادته" فرنسا بدفع الثمن. لكن ثمة من يقول أن التنظيم الإرهابي في المنطقة في كل مكان، ليس بالقوة التي تصوره بها بعض وسائل الإعلام بإيعاز من قوى دولية من بينها الولاياتالمتحدةالأمريكيةوفرنسا لتبرير التدخل في المناطق التي تتواجد بها تلك التنظيمات الإرهابية، بعدما فشلت كل الأساليب التي ابتدعتها سابقا للتدخل في جهات كثيرة، على غرار الحرب الإستباقية وحق التدخل وغيرها من المفاهيم.