في ظل توسيع طالبان عملياتها العسكرية في أفغانستان وإلحاقها خسائر كبيرة في صفوف قوات الحلف، رغم تغيير الإدارة الأمريكية استراتيجية الحرب وكذا تعزيز الإمدادات العسكرية، لجأ الناتو إلى استخدام لغة الحوار مع حركة طالبان، غير العمليات العسكرية، من أجل إرضاء الحركة وتفادي سقوط قتلى آخرين في صفوف الناتو، إلا أن طالبان أعربت عن رفضها ا إجراء أي نوع من المفاوضات مع حكومة الرئيس حامد كرزاي أو قوات حلف شمال الأطلسي. جاء ذلك بعد أن اقترح قادة بالجيش الأمريكي ورئيس الأركان البريطاني الجنرال ديفيد ريتشادز حين أكد عن إمكانية إجراء حوار مع طالبان. وبحسب بيان لطالبان، رفضت الحركة ذلك بشدة بل وازدرى العرض، وقال ذبيح الله المتحدث باسم الحركة " لانريد أن نتحدث مع أي أحد، لا كرزاي، ولا أي أجانب حتى تنسحب جميع القوات الأجنبية من أفغانستان". وكانت طالبان قد صعدت عملياتها خلال الأيام الماضية،حيث امتدت من جنوبيأفغانستان إلى شرقي البلاد. ويوم الأربعاء شن مسلحو الحركة هجوما على مطار يستخدمه حلف الناتوكقاعدة جوية في مدينة جلال آباد شرقي أفغانستان. وقد أعلنت قيادة القوات الدولية أن المسلحين استخدموا في الهجوم سيارة مفخخة، قبل أن يقوموا بمهاجمة المطار من كل الجهات باستعمال أسلحة خفيفة. إيطاليا ترشي طالبان مقابل عدم التعرض لجنودها أمام تصاعد قوة طالبان التي أصبحت أكبر تحد عسكري يواجه الحلف وإلحاقها خسائر فادحة في صفوفه، لجأت بعض الدول الغربية المشاركة في قوات الحلف إلى دفع أموال لطالبان مقابل عدم تعرض هذه الأخيرة إلى جنودها، وهوما حدث مع إيطاليا، حيث أثارت فضيحة دفع القوات الإيطالية رشاوى لحركة طالبان في أفغانستان مقابل عدم تعرض جنودها لهجمات المسلحين، تداعيات لا زالت تتفاعل في الأوساط الإيطالية، يأتي ذلك في وقت تتعالى فيه أصوات تطالب بسحب القوات من أفغانستان. ورغم هذه الأصوات المعارضة، فإن الحكومة برئاسة سيلفيو بيرلوسكوني لم تكترث كثيرا للفضيحة، بل قررت إرسال قوات إضافية إلى افغانستان لدعم الحليف الأمريكي الذي يتخبط الآن في الأوحال الأفغانية والعراقية، بحثا عن مخرج مشرف من نفق،للحفاظ على ماء الوجه. وكانت تقارير إعلامية بريطانية، كشفت في شهر نوفمبر الماضي، أن القوات الإيطالية في أفغانستان وقعت اتفاقاً سرياً مع حركة طالبان وقامت بإعطائها رشوة لحماية قواتها التى حلت مكان القوات الفرنسية في منطقة ساروبي شرق العاصمة كابول في منتصف عام 2008. إلا أن رئيس الوزراء الإيطالي بيرلوسكوني نفى أن تكون حكومته قد وافقت على هذا العمل مفندا المزاعم التي روجت لهذه القضية، إلا أن كل الدلائل تشير إلى بداية التململ في صفوف التحالف، وهذا ما دفع بعض الدول كإيطاليا وفرنسا للعمل بشكل سري ومحاولة شراء ذمة الحركة من خلال إرشائها مقابل عدم التعرض لقواتها هناك. استبدال قائد لحرب في أفغانستان، دليل على الارتباك، وعدم وجود خطة . مما لا شك فيه أن الحرب في أفغانستان دخلت منعطفا خطيرا، وتحولا كبيرا في الحرب التي تخوضها الولاياتالمتحدة وحلفاؤها التقليديين خاصة بعدما تكبّدت قوات التحالف خسائر جسيمة، ما خلق إرباكاً انتهى باستبدال قائد الحرب. في ظل هذا الوضع، تضاءلت خيارات واشنطن. عليها الآن أن تُعيد وضع استراتيجية جديدة قد تنطوي على تصعيد العمليات العسكرية ثم انسحاب يحفظ لها ماء الوجه، إذ أن النجاح أو الفشل في أفغانستان سينعكس حتماً على مجمل الملفات الإقليمية الساخنة، والأكيد أن الأمور في البلاد التي لا تتكلم سوى لغة الحرب ليست على ما يرام خاصة بعد الضربات الموجعة التي تلقتها قوات التحالف والتي تعد الأشرس منذ بداية الحرب، وما زاد الطين بلة هوالخلاف الذي أخذ يدبّ داخل الفريق الأمني لواشنطن، وتحديداً بين الجيش والبيت الأبيض، والأزمة تتصاعد وتنتهي باستبدال قائد القوات في أفغانستان الجنرال ستانلي ماكريستال بمهندس العملية الجراحية في العراق دايفيد بترايوس. عوامل تشير إلى فشل استراتيجية أوباما ماكريستال للحرب، وتصدّع في جبهة التحالف، فكيف أغرقتهم وحول أفغانستان؟ آخر تطورات المعارك تنتهي في قندهار، مكان ولادة «طالبان» ومقبرة السوفيات. بُعيد الانتهاء من عملية «مشترك» في بلدة مارجة، أحد المعاقل الأساسية ل«طالبان» والأفيون، التي انتهت بنصر مزعوم من دون مقاومة طالبانية ورافقتها حملة إعلامية واسعة أشاعت أن المعركة في البلدة ركن أساسي للانتصار في الحرب الشاملة، أُطلقت الوعود بصيف حار مقبل على قندهار، إلا أن الوقائع الميدانية تدل أن طالبان تضرب بشدة اأمها وصل إلى البينت الأبيض. ويذكر أن الجنيرال ماكريستال وعد بعملية واسعة تدوم بعض الشهور القليلة فقط . إلا أنه ما بدأت قوات المرينز تدخل إلى معاقل طالبان حتى بدأ الحديث عن معركة طويلة وبطيئة، لدرجة أنه جرى تمديد المدة الزمنية التي حددها الجنرال السابق في افغانستان. وما زاد الأمور تأزما هو صعوبة استقطاب السكان المحليين، الذين اخطأت الولاياتالمتحدة بقصفهم في أكثر من مرة وهو الأمر الذي اعترف به ماركريستال نفسه، معتبرا أن الأهالي هناك يرون في الولاياتالمتحدة دولة احتلال. ماكريستال قبل عام «طالبان» تمتلك ميزة الأرض والشعب والتاريخ، لذلك من الصعب هزمها وأهم من يعتقد أن استقالة ما كريستال جاءت بناء على تصريحاته التي قال أنه يتوجب التفاوض مع طالبان، ولكن الحقيقة أن ماكريستال القائد العام السابق في أفغنستان اعترف بأن الولاياتالمتحدة هزمت، وهذا ما لا يود البيت الأبيض الاعتراف به، فقد صرح ماكرييستال قبل عام أن «طالبان» تمتلك ميزة الأرض والشعب والتاريخ، لذلك من الصعب هزمها وفي مقابل كل هذا تجري زيادة القوات في المناطق الشرقية والشمالية، فضلاً عن استمرار العمليات العسكرية التي بدأت في الشتاء الماضي في مقاطعة هلمند. هذا التحدّي ينطوي على الخلاف الحادّ الذي نشب بين فريق أوباما الأمني والجيش الأميركي على إدارة الحرب وتبادل اللوم بشأن أسباب الفشل، وبلغ حدّ الإهانات التي عبرت عنها تصريحات ماكريستال وأعوانه إلى «رولينغ ستون»، وانتهت باستبدال مهندس استراتيجية الحرب وقائدها. وبالتوازي مع العمليات العسكرية من «تطهير» و«تمشيط»، انطلقت عمليات «التحجيم» في الشتاء الماضي تقودها قوات العمليات الخاصة وتتضمن ملاحقة قادة المتمردين وقتلهم. فما كان رد «طالبان» إلا أن بدأت بدورها حملة اغتيالات على كل من يتعامل مع الأجانب أو الحكومة الأفغانية. وتجري على قدم وساق أيضاً المفاوضات مع أمراء الحرب، لكن يبدو أنها متعثرة، نسبة إلى نتيجة مؤتمر «جيرغا السلام» الذي عقده قرضاي أواخر الشهر الماضي، جامعاً كل القوى المحلية والمدنية، ومُغيّباً الطرف الأساسي لأي سلام ممكن، الحركات المتمرّدة. لكن جهود «السلام» لم تتوقف (أخيراً قُدّمت لائحة لإسقاط عدد من زعماء «طالبان» عن اللائحة السوداء، التي تعد أحد عناصر جيرغا السلام)، وهي تتأثر وتؤثر بما يدور على الأرض. إذاً يأتي الفشل الأميركي والأطلسي على مستويين، في الميدان وعلى طاولة المفاوضات، ويؤكّد فشل استراتيجية أوباما ماكريستال. وهولا ينفصل عمّا يجري خارج أرض المعركة، وداخل عواصم الفاعلين الإقليميين النافذين وداخل البيت الأبيض، واستخدام كلٍّ منهم أفغانستان ورقة للضغط في أجندته الخاصة. إنهم يخسرون الحرب في أفغانستان، وأولى البوادر تخبّطهم ورمي بعضهم اللوم على البعض... واستقالة قائد الجيوش. بعد الضربات الموجعة التي تلقاها الجيش الإمريكي «طالبان» تتوعّد الجنرال الجديد دايفيد بترايوس لم تكتف حركة طالبان بانتصارتها الميدانية بل زادت من ضغطها النفسي على القوات الإمريكية، مؤكدة أنها ستواصل القتال أيّاً كان قائد القوات الدولية، عند أول تعليق لها على إقالة الجنرال الأميركي ستانلي ماكريستال وتعيين الجنرال دايفيد بترايوس مكانه. حيث المتحدث باسم الحركة، يوسف أحمدي، من مكان مجهول: «لا يهمنا من هو القائد، أكان ماكريستال أم بترايوس. موقفنا واضح. سنقاتل المحتلين حتى رحيلهم». مضيفا : «عار على (الرئيس الأفغاني حميد) قرضاي الذي وصفه بالدمية الذي طلب من دون أي خجل من الرئيس (باراك) أوباما إبقاء ماكريستال في منصبه». وصفته بأنه بداية هزيمة قوات التحالف طالبان ترحب بانسحاب القوات البريطانية رحبت حركة طالبان، بالانسحاب المعلن للقوات البريطانية من إقليم "سانجين" في جنوبأفغانستان واعتبرته بداية الهزيمة، وأكدت أن القوات الأمريكية المدعوة إلى الحلول محلها ستشهد "المصير نفسه". وهي إشارة واضحة أن الحركة ستعمل على التصعيد وتكثيف حملاتها العسكرية على القوات الأمريكية، حيث قال في هذا الصدد يوسف أحمدي، المتحدث باسم طالبان: "إنها بداية الهزيمة بالنسبة إلى القوات البريطانية في أفغانستان". وأضاف أحمدي : "لقد هزمناهم في (سانجين)، وسيهزمون قريبا في بقية أنحاء البلاد"، متابعا قوله القوات الأمريكية التي ستحل محل البريطانيين: "ستشهد المصير نفسه، سنهزم الأمريكيين أيضا هنا". وشهد الجيش البريطاني في إقليم سانجين" الواقع في ولاية هلمند، أكبر خسائره مع سقوط قرابة 100 جندي، أي نحو ثلث خسائره منذ بداية غزو أفغانستان في 2001، وفقا لإحصاءات رسمية. وكان وزير الدفاع البريطاني وليام فوكس قد اعلن أن القوات البريطانية ستنسحب من منطقة سانجين في جنوبأفغانستان، التي تشهد مقاومة عنيفة لحركة طالبان. وأبلغ فوكس البرلمان البريطاني أن الولاياتالمتحدة ستتولى المسؤولية عن المنطقة في إعادة تشكيل للقوات التي يقودها حلف شمال الأطلسي. وستركز القوات البريطانية على العمليات في وسط هلمند، وسط مطالبات شعبية واسعة بضرورة التعجيل بالانسحاب من أفغانستان. بعد انهزام الاتحاد السوفياتي في أفغانستان لماذا لم تستوعب الولاياتالمتحدة الدرس ..؟ سؤال يطرحه أكثر من ملاحظ، وهو لماذا لم تستوعب الولاياتالمتحدةالأمريكية الدرس السوفياتي في أفغانستان، الأكيد أن أمريكا كانت تعتقد أن انتصار الأفغان على السوفييت كان بفضل دعمها العسكري والسياسي، عكس ما يحدث اليوم، حيث صارت حركة طالبان، حركة إرهابية منبوذة من كل دول العالم، واعتمد البيت الأبيض على هذا الفهم معتقدا أن النصر على الأفغان سيكون سهلا، خاصة وأن الشعب هناك لم يعد يحتمل الحروب، ومن جهة أخرى رسم الانتصار المؤقت على العراق الذي كان تحت سيطرة جيش منظم ورئيس شرعي، وهم الانتصار على حركة متمردة لا حكومة لها ولا اعتراف بها، ضف إلى ذلك الأطماع في أرض تعد منطقة استراتيجية بالنسبة للولايات المتحدةالأمريكية، كل هذه العوامل جعلت من الولاياتالمتحدةالأمريكية تحسم الحرب قبل دخولها، ولم تكن تتوقع أن الحركة المبوذة عالميا يمكن أن تقلب الموازين وتعمق في جراح البيت الأبيض .