تواجه منطقة الواحات شمال العرق الشرقي و الغربي و كذا و السهوب الجنوبية من مشاكل بيئية عويصة ليست وليدة الأمس بل هي نتاج تراكمات لم تعالج في وقتها المناسب على امتداد العقود الماضية مما يجعل المنطقة "على كف عفريت" مثلما يقال و لعل أهم هده المشاكل ظاهرة زحف الرمال و كذا الاجتياح الموسمي لأسراب الجراد و بدرجة اقل ظاهرة صعود المياه التي تعاني منها واحات المنطقة الشرقية و خصوصا في ولايتي الوادي و ورقلة . و رغم الجهود التي بذلتها الحكومة من خلال وزارتي الفلاحة و التنمية الريفية و الري و عديد الهيئات العمومية ذات الصلة المباشرة أو عير المباشرة بالقطاع إلا أنها تبقى محدودة و عقيمة في نواح عديدة بالنظر الى تسارع و تفاقم هذه الظواهر على نحو لم تسايرها برامج المكافحة في الزمان و المكان و هي برامج خصصت لها أغلفة مالية معتبرة منذ أكثر من 20 سنة . السد الأخضر لم يكن كافيا ومعلوم أن الجزائر بادرت إلى انجاز مشروع السد الأخضر و الذي يعتبر احد المشاريع العملاقة على صعيد القارة الإفريقية و الوطن العربي و ساهم بشكل كبير في الحد من زحف رمال الصحراء الكبرى نحو الشمال لكن فجواته على امتداد مقاطع يتراوح مداها بين 100 و 250 كلم كانت سببا في تسرب كميات كبيرة من الرمال خصوصا في وسط الصحراء التي تشهد في الغالب زوابع رملية غير موسمية خلال شهري مارس و ماي و سبق أن أشارت الدراسات التي أعدتها الغرف الفلاحية التابعة لولايات الجلفة و المسيلة و تيارت إلى أن الرمال بلغت حدودها الجنوبية خلال السنوات الثلاث الماضية الأمر الذي يتهدد قطاع الفلاحة في ذات الولايات المعروفة بإنتاجها الغزير من الخضروات و الفواكه و حتى الحبوب و على رأسها مادة القمح الصلب . يحب مكافحة الجراد في مصادر التكاثر إلى جانب مشكل التصحر أو "زحف الرمال" كما يصطلح عليه في قاموس الايكولوجيين نجد إشكالا آخر لا يقل خطورة على مشكل "زحف الرمال" و هو ظاهرة الجراد التي تجتاح من سنة الأخرى و بشكل متفاقم منطقتي الواحات و السهوب خصوصا في المنطقة الجنوبية الغربية و التي تضم ولايات النعامة و البيض و بدرجة و اقل سيدي بلعباس و هي أسراب تلحق سنويا بالمحاصيل الزراعية أضرارا جسيمة تقدر بملايين الدينارات . ورغم الجهود الجبارة التي تبذلها مصالح حماية الغابات التابعة إداريا لوزارة الفلاحة و التنمية الريفية و كذا عديد الهيئات القطاعية الأخرى ذات الصلة إلا أن المشكل اكبر من أن يعالج بتقنيات الرش للقضاء على الجراد الطائر و قد شدد العديد من خبراء البيولوجيا و الايكولوجيا على ضرورة أن تتم عمليات المكافحة على مستوى مناطق المصدر في ولايات تندوف و ادرار و منطقة جانت في أقصى الجنوب على الحدود المالية و الموريتانية حيث يبيض الجراد و يتكاثر. و أسوء موجة اجتياح للجراد في الجزائر حدثت عام 1983 حين بلغت أسراب كبيرة من الجراد حدود ولايتي المسيلة و المدية . صعود المياه يكبد فلاحي الواحات الشرقية خسائر فادحة من جانب آخر تعاني منطقة الجنوب الشرقي التي تشمل ولايتي ورقلة و الوادي و بدرجة اقل ولاية بسكرة من مشكل صعود المياه الجوفية نحو السطح و هي مياه كان من الأجدر استغلالها عن طريق مد قنوات الاستخراج و التوزيع و هذه الظاهرة يعاني منها بالدرجة الأولى الفلاحين الذين يتكبدون كل سنة خسائر فادحة من جراء المياه التي تعغمر حقولهم في وقت بقيت مصالح القطاع الفلاحي في الولايات الثلاث عاجزة على احتواء هذا المشكل رغم الاغلفة المالية التي ترصد لها سنويا لتمويل برامج معالجة هذه الظاهرة .و معلوم أن ذات المنطقة تنام على أحواض مائية جوفية عملاقة تقدر سعتها بمليارات الأمتار المكعبة وتشكل مجتمعة حوض مائي تحت الأرض يمتد حتى الأراضي التونسية .كل هذه الظواهر البيئية تبقى كبوة القطاع الفلاحي في منطقة الواحات و السهوب الجنوبية و هي تتطلب الإسراع في عمليات احتواء أو على الأقل الحد من انتشارها قبل أن تتفاقم اكثر خصوصا و ان الخبراء البيئيين لا يستبعدون أن تصل الرمال إلى منطقة "المتيجة" في حال التقاعس أكثر في معالجة الوضع . المطلوب تنسيق مغاربي و يرى العديد من الخبراء أن البلدان المغاربية و التي تعاني على غرار الجزائر من ذات الظواهر لكن بدرحات متفاوتة و متباينة مطالبة بتنسيق جهودها و العمل بشكل جماعي من اجل ضمان سلامة نسيجها الفلاحي الخصب في المناطق الشمالية و فعلا بدأت بوادر هذا التعاون و التنسيق في بدايات سنة 2002 وذلك في مجال مكافحة الجراد بين الجزائر و المغرب الذي يعاني هو الأخر و بشكل كبير من اجتياح الجراد للمحافضات الجنوبية للمملكة أما تونس في تعاني أيضا من ظاهرة صعود المياه في الواحات الجنوبية و ليبيا أيضا ما تزال تعاني و بشكل كبير من ظاهرة زحف الرمال. و قد سبق لوزراء الري و البيئة و الفلاحة في البلدان المغاربية الخمس ان التقوا مرارا في الجزائر و المغرب و تونس على امتداد السنوات العشر الماشية و قد توصلوا فعلا الى التوقيع على العديد من اتفاقيات التعاون في مجال تنسيق جهود المكافحة لكن نبقى محدودة و المطلوب دعمها و تعزيزها أكثر .