منذ أكثر من 20 عاما، لم يسبق لأي وزير خارجية إسرائيلي القيام بزيارة إلى القارة السمراء، وتحديدا جنوب الصحراء، إلا أنه في هذه المرة ونظرا للمطامع الإسرائيلية التي لا حدود لها، فقد قام، أمس، وزير خارجية إسرائيل أفيغدور ليبرمان، بجولة إفريقية تشمل بعضا منها حيث يرافقه فيها عدد من كبار رجال الأعمال "تجار السلاح" لإبرام صفقات عسكرية سرية مع هذه الدول، الأمر الذي يظهر جليا ضلوع إسرائيل في الحروب الأهلية التي تشهدها مؤخرا القارة السمراء، لا سيما دولة نيجيريا. بعد فشل وزير الخارجية الإسرائيلي خلال جولته إلى 4 دول في أمريكا اللاتينية، في إحراز طفرة في العلاقات بينها وبين إسرائيل، شرع الآن يخطط لفتح علاقات واسعة مع دول القارة السمراء، خاصة دول القرن الأفريقية، وذلك بإبرام مع هذه الدول صفقات بيع أسلحة، وهو الأمر الذي دفع إسرائيل للعودة إلى الساحة الإفريقية من جديد. فليبرمان اصطحب معه عددا من تجار السلاح الإسرائيليين خلال زيارته لبعض دول القارة الإفريقية، وذلك بهدف دفع سبل التوقيع على صفقات مع جيوش تلك الدول وإثارة الحروب بينها، هذه الأخيرة التي بدت معالمها تظهر في السودان، نجيريا، الصومال وغيرها. ويرى المحللون أن سياسة ليبرمان تعتمد على السياسة العسكرية مع دول القارة الإفريقية، بدليل صفقة السلاح الضخمة التي جرى التوقيع عليها مؤخراً مع نيجريا. إسرائيل تعتبر دول القرن الإفريقي، خاصة إثيوبيا،كينيا والسودان، بأنها دول مهمة للغاية من الناحية الجيو إستراتيجية لإسرائيل، وذلك لموقعها الاستراتيجي وقربها الجغرافي من مصر واليمن والسعودية، بالإضافة إلى وجود عامل آخر مهم، يتمثل في العامل الأمني، ينبع في إمكانية استخدامها كقواعد عمل لعناصر الاستخبارات الإسرائيلية "الموساد"، وكذلك كقاعدة انطلاق للمستشارين العسكريين الإسرائيليين من أجل التدخل في الشؤون الداخلية للأنظمة الحاكمة الإفريقية، إذ سبق وأن كان لإسرائيل دور فيما شهدته أوغندا وتنزانيا من انقلابات. يرى المراقبون أن الهدف من وراء زيارة ليبرمان لإفريقيا، هو إظهار قدرة إسرائيل على التواجد من جديد في تلك المنطقة، لاسيما وأن إيران بعد أن أصبحت قوة يحسب لها ألف حساب، خاصة بعد التفوق الكبير الذي أحرزته في المجال النووي وإعادة انتخاب أحمدي نجاد رئيسا للبلاد، رغم الأحداث الأخيرة التي عصفت بالبلاد، والتي كانت تقف من ورائها أطراف خارجية، في محاولة منها لزعزعة استقرار إيران وإبعاد نجاد عن الحكم، حيث أكد وزير الخارجية الإسرائيلي أنه يجب عدم إهمال إفريقيا، وذلك حتى لا تقوم دولة مثل إيران بالعمل على دعم مكانتها هناك بسبب الغياب الإسرائيلي عنها. وبحسب المحللين السياسيين، فقد اصطحب ليبرمان عددا من رجال الأعمال الإسرائيليين، معظمهم من "تجار السلاح"، ومستشارين أمنيين وممثلين عن شركات السلاح الإسرائيلية، وهذا من أجل كسب أرباح مالية من مبيعات السلاح لدول القارة، حيث سبق وأن كانت إسرائيل متورطة في حروب أهلية في أنغولا وليبيريا ووكوت دي فوار، وكذلك لما قدمته من مساعدات لأنظمة الحكم الديكتاتورية في دول مثل غينيا والكونغو. كشف بعض المحللين العسكريين أن شركة سلاح إسرائيلية زوّدت القوات البحرية النيجيرية بزوارق حربية على دفعات، كما تلقت بعثة عسكرية نيجيرية تدريبات في إسرائيل بهدف التمكن من استخدام الزوارق الإسرائيلية. وأشار المحللون إلى أن تلك الصفقة تضاف إلى صفقات أخرى جرى التوقيع عليها في السابق بين إسرائيل ونيجيريا، وتم خلالها تزويد الجيش النيجري بعتاد عسكري متقدم، منه عتاد يستخدم في مجال الاستخبارات، الأمر الذي يدل على تورط الموساد في قلب الصراع الدائر في نيجيريا، وهو الصراع الذي قد يصل إلى حد الحرب الأهلية مستقبلا، وما تقوم به إسرائيل من عقد لصفقات عسكرية يساعد الجيش النيجيري في عملياته ضد مقاتلي "دلتا نهر النيجر". على صعيد آخر، يرى المحللون السياسيون أن مزيدا من أعمال العنف سوف تتصاعد في دولة نيجيريا، ليس بسبب تفشي الفساد وضعف الجيش وقوات الأمن التي حسمت الموقف ضد الإسلاميين، وإنما بسبب تدخلات الدول العظمى التي تخوض حربا باردة للسيطرة على نفط غرب إفريقيا البديل عن نفط الخليج والعراق، وبسبب النفوذ الإسرائيلي المتنامي بشكل رهيب في المنطقة، من خلال توغل الموساد فيها لخدمة المصالح الأمريكية والإسرائيلية في نيجيريا، حيث تمتلك إسرائيل قواعد جوية، بالإضافة إلى وجود خبراء إسرائيليين لتدريب قوات الجيش وأجهزة الأمن، وبعض عمليات التدريب تتم في إسرائيل بناء على اتفاق عام 1991.