كانت الدموع الميزة الأساسية والقاسم المشترك الذي جمع جل العائلات الجزائرية المقيمة بقطاع غزة -والتي تم إجلاؤها عبر معبر رفح إلى الجزائر خلال ولوجها باب المطار لتعبر بها عن فرحة اللقاء وفتح صفحة جديدة في حياتها تارة ومدى التعب والأسى لما لاقوه خلال العدوان الإسرائيلي تارة أخرى. كان ذلك حال السيدة فتيحة كغيرها من العائلات ال13 التي وصلت ليلة امس إلى مطار هواري بومدين الدولي رفقة أطفالها الثلاثة والتي ظلت الدموع ترسم تقاسيم الحزن على وجنتيها إلى غاية مغادرتها المطار. وقالت السيدة فتيحة المقيمة بأبراج الندى شمال غزة "إنها دموع الفرح ممزوجة بالحزن الذي أضحى جزءا منا" مضيفة بنبرات متقطعة تحت ثقل الوجع الذي ألم بسكان غزة جميعهم "لم أكن متأكدة أنني سأعيش يوما إضافيا فكيف بي الآن وقد عدت إلى أرض الوطن إنه كالحلم الذي لم أفق منه بعد". فتيحة لم ترض القدوم إلى بلدها الأصلي والتخلي عن زوجها الذي لازال في القطاع غير أنه بعد الدمار الذي لحق بمنزلها دفعها زوجها إلى اللجوء إلى الجزائر ضمانا لحياة أطفالهما. فلم تحتج السيدة فتيحة خلال سفرها إلى حقائب ضخمة لحمل أدواتها ما عدا كيسا من البلاستيك الذي كان يحوي كما قالت بعض الوثائق الرسمية التي تمكنت من إنقاذها بعد الخراب الذي ألم بمنزلها والذي دمر عن كامله لحد يصعب تحديد معالمه. كما نقلت معها كوابيس البحث عن مكان آمن الذي لم تجده في أي مكان حتى في المدارس التي كانت تلجأ إليها رفقة العديد من جيرانها والتي كانت توجه إليها قوات الإحتلال صواريخها دون شفقة ولا رحمة. وكانت الحاجة كوكب حسنة ذات 60 سنة من عمرها تحمل من جهتها علامات القهر في ملامحها لكنها في نفس الوقت تحمل بين جنبيها قلبا صلبا استطاعت بفضله الدفع بزوجها لخوض غمار المعركة "لكي ينال أجر الشهادة في سبيل الله والتي تعد غاية كل إنسان مؤمن" كما قالت. وتميزت من جهتها السيدة رشيدة عبد الدايم القادمة من بيت حنون بنقابها وكثرة حركتها بحثا عن أحد المسؤولين لتستفسر عن إمكانية جلب زوجها الذي بقي في قطاع غزة بالرغم من إصابته الشديدة. و بقت تسرد قصة معاناتهم والتي لا تشبه كل القصص فهي من أقساها وأشدها من حيث أنه لا يمكن لأي إنسان --كما ذكرت-- أن "يتحمل ضراوة الأيام التي قضتها تحت القصف بأشد وأفتك أنواع الأسلحة بما فيها المحرمة منها دوليا". وبصوت متهدل من شدة التعب مدت السيدة رشيدة يدها المرتجفة الى محفظتها وطال بحثها على شيئ عزيز بين ثناياها لتجد أخيرا أصابعها المتعبة ماكانت تبحث عنه إنها شظايا القنابل الفسفورية التي أخترقت جسد زوجها والتي إحتفظت بها لتكون شاهدة على بشاعة العدوان. ومن جهة أخرى لم يكن حال صديقتها رقيوة جيلايلي أم لخمسة أطفال بأحسن حال منها فذهبت لتقص على الحضور بداية العدوان على القطاع وهو اليوم الذي لا يمكنها أن تنساه ما حيت قائلة "كان اليوم الذي ذهب فيه التلاميذ لإجتياز إمتحاناتهم الدراسية غير أنهم بدل أن يجيبوا على أسئلة الإمتحان أضحوا هم من وضع أسئلة عن سبب العدوان ومتى نهاية كل هذا الدمار". لقد عاش أطفالنا --كما قالت-- "ما لم يروه حتى في أبشع أفلام الرعب التي تبث في التلفاز فهم محطمون كليا "مشيرة إلى أن أبشع الصور التي لازالت عالقة في ذاكرتها هي القنابل الفسفورية التي كانت تطلق ضوءا كثيفا ومسامير تغرز في الجسم كما تتسبب في جروح تتوسع دون توقف في حال عدم تعريضها إلى الماء. وأكدت السيدة رشيدة أن هدفها من القدوم إلى الجزائر هو ضمان تمدرس أبنائها غير أن إبنها البكر أبدى رفضه المكوث طويلا في الجزائر إنما مكانه --كما أشار-- هو في صفوف إخوانه المجاهدين في فلسطين. غير أن الطفل محمد ذو 13 سنة الذي كان في قاعة الإنتظار بالمطار ذكر من جهته أن لديه رغبة في المكوث في الجزائر بحثا عن الامان من جهة ورغبة في العودة إلى فلسطين التي تحمل ذكرياته الطفولية من جهة أخرى. وذكر بدوره الطبيب النفساني السيد عبد الرحمان ديدي أنه بعد محادثاته مع بعض الأطفال تبين له أن حالتهم تستدعي "التكفل الفعلي و الفعال بهم ". وما لاحظه خلال الإتصال الأولي بهم هو أنهم يعانون من صدمات نفسانية وجسدية سيما منها العزلة والإنطوائية الآنية إضافة إلى حالات التبول اللاإرادي وكذا التأتأة والنسيان وهي حالات تتطلب --كما قال-- "إعادة بناء نفسي لحالاتهم