كوّن ثروته منذ أربعين عاما وبدأ مساره من طاولة لبيع الخضر والفواكه إشاعة أحمد أويحيى كانت بغرض تحطيم مسّاره! دخل سوق الحافلات سنة 1989 بأربع حافلات وسدّد كل قروضه البنكية ليس وراء طحكوت غير محي الدين وعائلته .. هي قصّة نجاح أحد أكبر أثرياء الجزائر، بدأت على طاولة لبيع الخضر والفواكه في سوق الرغاية الشعبي، ثم تحوّلت إلى طاولةٍ لبيع وشراء السيارات ومحركاتها، وصولا إلى النقل الجماعي للطلبة اليوم. السيد طحكوت محي الدين، يرفض من يعلّل نجاحه بعلاقات خارجية، أو علاقة تربطه بشخص الوزير الأول أحمد أويحيى، معتبرا ذلك مجرد إشاعات لا أساس لها من الصحة، لأن نجاحه تأتى بسواعده وتضحياته منذ أربعين عاما، وقد رفض طحكوت مغادرة الرغاية التي نشأ وتربى فيها، وعايش ''العشرية السوداء''، وفضّل البقاء هناك ليكوّن نجاحه، فقد كان متفوقا في الدراسة، والدليل على ذلك، أنه انتقل من الطور المتوسط إلى الثانوي، غير أنه لم يطأ مرحلة الثانوية، فقد تخلى محي الدين عن التعليم الثانوي، لأنه اقتنع بأن النجاح يكمن في التجارة التي شرع فيها منذ سنة 1973، حيث استثمر في أول مشروع له وهو بيع الخضر والفواكه على طاولة في سوق الرغاية الشعبي وهو لم يتجاوز ال10 سنوات، لأنه ببساطة بدا مرتاحا وفخورا بما اختاره من عمل، فقد تحصل على شهادة الدكتوراه في التجارة، لكن ليس من الجامعة وإنما من الميدان ... أهم مموّل للخزينة العمومية وعكس كل التوقعات، فإن رجل الأعمال الجزائري طحكوت محي الدين الذي يدفع إلى الخزينة العمومية سنويا أزيد من 60 مليار سنتيم متعلقة بالضرائب، و30 مليارا للضمان الإجتماعي، دخل إلى قطاع النقل العمومي والجامعي وطفا بسببه على ساحة المال والأعمال سنة 1989، وليس مؤخرا فقط، فهل تعلمون أنه عمل كذلك ''بوشي'' أي جزار؟، حيث استثمر في المال الذي جمعه من بيع الخضر والفواكه لشراء محل لبيع اللحوم وعمره لم يتجاوز ال 17 سنة. ويقول مسؤول سام في إدارة الضرائب في تصريحٍ لأسبوعية ''النهار ويك''، ''إن محي الدين طحكوت هو أغنى رجلٍ في الجزائر من حيث قيمة الضرائب التي يدفعها سنويا إلى الخزينة العمومية، وهو إنسان لم تسجّل عليه أدنى مخالفات، لأنه رجلٌ يشتغل فقط بالسجل التجاري كصفة تجارية، ونشاطه يتم بصفته صاحب سجل تجاري، وليس كشخصية معنوية على غرار الشركات ذات الرأس المال المحدود، أو ذات الأسهم، التي تنشط بشخصية معنوية وليس مادية مثل طحكوت''. لقد سعت إدارة الضرائب منذ سنوات طويلة إلى البحث في ملف الضرائب وكل ما له علاقة به، غير أن كل الأبحاث كانت سلبية، لأنه لم يتحايّل على إدارة الضرائب، ولم تسجل عليه أدنى مخالفة قانونية، وهو سر قوته - يقول مسؤول الضرائب -، الذي أضاف ''أن طحكوت أثرى أثرياء الجزائر، وليست له أية عقدة في كشف سجلات الأرباح أو تقليص رقم أعماله مثلما يفعل آخرون''. وقد بدأ محي الدين مشواره التجاري بغرض جمع المال ككل شاب يريد حياةً سعيدةً، لكن سرعان ما ذاق حلاوة التجارة، فراح يستثمر في قطاع أكثر أهمية وهو بيع وشراء السيارات، ثم صناعة ''كابلات'' السرعة للدراجات والدراجات النارية، ثم ورشة لتصليح الشاحنات وعربات الأشغال العمومية، بفضل ورشة التلحيم والتصنيع، إلى أن وصل إلى النقل العمومي والخدمات الجامعية ..إن التجارة تسري في دم محي الدين منذ أن بلغ 14 سنة، حيث يستيقظ على الساعة الرابعة صباحا، ولا يدخل إلى بيته قبل 11 ليلا، ''للتاريخ ..لا أخجل لأقول لكم أنني أوقفت أحد أولادي عن الدراسة وأدخلته إلى مركزٍ للتكوين في التجارة والماركيتينغ، لأنني رأيت فيه صفات التاجر الناجح''، ''فهذا النشاط لا يستدعي تضييع الوقت ذهابا وإيابا إلى الجامعة لتعلمه، فإما أن يكون تاجرا أو لا يكون''، هكذا لخصّ طحكوت نظرته إلى التجارة التي يعتبرها سرّ النجاح، ''فليس أن نضع هدفا لجمع المال، بل أن نتذوق الشعور بالنجاح'' يقول طحكوت. وينزعج طحكوت كثيرا عندما يسأل عن علاقته بالسياسة ورجال السياسة، مثلما يتداول عليه في الشارع الجزائري، حيث يقول إن كل نجاحه بناه بعرق جبينه وسواعده، ''لا أحب السياسة، لذا لا يهمني السياسيون.. دعوني أكون صريحا، سئلت عدة مرات عن علاقتي بأحمد أويحيى، فقلت إنني لم ألتقِ بهذا المسؤول أبدا في حياتي، سوى في المؤتمر الأخير ل RND ككل رجال الأعمال الذين تم استدعاؤهم، أرفض أن يُربط نجاحي بأيّ إسمٍ من الأسماء، وهذا ليس عدم تقدير لهؤلاء المسؤولين، ولكن لأنه يُعتبر إجحافا وعدم اعتراف بنجاحي''. طحكوت أو le petit mahi في سوق الخضر! محي الدين طحكوت، تاجرٌ معروفٌ في بيع الخضر والفواكه بالسوق القديمة لبلدية الرغاية منذ سنة 1973، حيث كان يعمل في محلٍ له وعمره لم يتجاوز العاشرة، تخلى عن الدراسة وفضّل تجّارة الخضر والفواكه. ''روكفيلر الجزائر'' - كما يصفه أصدقاؤه ومقربون منه -، انتهج نفس طريق ''روكفيلر'' الذي اشتهر بأنه كوّن ثروته بعربة الخضروات، محي الدين - حسب جيرانه - أصغر تاجر في تاريخ الجزائر، لأن الرجل كان في التعليم الإبتدائي عندما شرع في تسويق الخضر والفواكه، وقد تخلى عن التعليم في مستوى الرابعة متوسط بإكمالية الرويبة، رغم انتقاله إلى الثانوية بمعدل 11على عشرين، لأنه وهو طفلٌ، كان إيمانه بالتجارة أكبر من التعليم، لأنه في البداية كان مقتنعا بأن الدراسة لا تحقق له طموحه. أغلب أصدقاء محي الدين هم من أبناء الرغاية، الذين احتك بهم منذ الصغر، وأغلب من يحترمه هم إطارات في الإدارة وضباطٌ في الجيش والجمارك، لأنهم يجمعون على أنه رجلٌ ناجحٌ، فهو شخصٌ طموحٌ ويؤمن بأمور ويفني حياته من أجل تحقيقها، لأنه مقتنع بأنه يمكن صناعة الثروة بالعمل وليس بانتظار مشاريع الدولة! لم يتوقف طحكوت عند الخضر والفواكه، بل وسّع نشاطه إلى بيع اللحوم ومشتقاتها، مما ساهم في ارتفاع مستوى دخله الشهري بشكل كبير ولم يكن مفاجأ لأبناء الرغاية أن يرو وهي التسمية التي يعرف بها في سوق الجملة ببوفاريك وبوڤرة قد أصبح ممون حتى بعض الشركات العمومية بالخضر واللحوم وحتى الشركات الأجنبية التي كانت لها مشاريع ضخمة بدرڤانة كان محي الدين يوفر لها الخضو واللحوم أواخر السبعينات. يذكر مقرّبون منه، أن محي الدين طحكوت، كان يستيقظ في حدود الساعة الرابعة فجرا لتوفير الخضر واللحوم للمحل، وهو لا يمل العمل حتى وهو مريض، لقد كان يؤمن بضرورة النجاح والسعي إليه مهما كان الحال. انتقل طحكوت من تجارة التجزئة في الخضر والفواكه واللحوم ومشتقاتها، إلى تاجر جملة معروف في أسواق بوفاريك وبلدية بوڤرة ''الروفيغو''، وقد استمر على هذا النحو إلى غاية سنة 1985، حيث مكّنه هذا النشاط المستمر من تحسين وضعيته المادية والتجارية بشكل كبير. وبعد فترة وجيزة من تخليه عن نشاط الخضر والفواكه، فتح طحكوت ورشة لصناعة عتاد وقطع غيار السيارات وكان يجمع المواد الأولية من السوق، ف''البلاستيك'' مثلا كان يجلبه من مصنع خاص في ولاية سكيكدة، أما الباقي، فيوفرها من السوق المحلية بالعاصمة سنة 1986. لقد كانت هذه الورشة صغيرةً، لكن ما توفره في السوق كان كافيا لتلبية حاجيات عدة مناطق في العاصمة، قبل أن يتوسع نشاطه ليصبح شبه منافسٍ لخاله، وهو مالك شركة ''ألفراكس'' Alfrex المختصة في مثل هذا العتاد، والمعروفة على المستوى الوطني منذ عقود، إضافة إلى شركة Afrique cable التي يملكها جده. لم تنسِ الأيام محي الدين حلاوة نشاطه في بيع الخضر والفواكه واللحوم، فقد أبقى على المحل الذي يحمل رقم 10 في السوق المغطاة بالرغاية مغلقا كذكرى له، وهو الآن يُعتبر بالنسبة إلى عائلة ''طحكوت'' بمثابة ''متحف''، لأن الخير الذي تعيش فيه العائلة اليوم بدأ من هذا ''المتحف'' الذي لا يعرفه إلا أبناء الرغاية فقط. كانت بداية الورشة الخاصة بصناعة لصناعة عتاد وقطع غيار السيارات ناجحةً، حيث ساهمت في دفع محي الدين إلى إنشاء ورشة أخرى تختص في صناعة آلات حديدية، تلحيم الشاحنات وعتاد الأشغال العمومية التي كان يشتريها بأسعار رخيصة ويعيد بيعها مجددا في السوق، وهو النشاط الذي مكّنه من شراء عدة شاحنات وعربات الأشغال العمومية. ولأن طحكوت تعلم أنه ليس هناك شيء اسمه ''مستحيل''، فقد شرع خلال سنة 1988 في تطوير إمكاناته في شراء وإعادة بيع السيارات القديمة بعد تصليحها وتحسينها، وقد بدأ السوق ينتعش قليلا بعد الأزمة الإقتصادية الصعبة التي مرت بها الجزائر آنذاك، فاستطاع بكفاءته أن ينعش نشاط بيع السيارات القديمة التي كانت الوحيدة التي تتوفر عليها السوق الداخلية. تابع المقال