تعد فترة الخطوبة في حياة كثير من الأزواج، أجمل الأوقات التي تسبق بداية الحياة الزوجية، إلاّ أنّ البعض يجهل حقيقة هذه المرحلة التي يجب أن تكون فترة استعداد نفسي لدخول الحياة بمسؤوليات جديدة، حتى لا تصبح نقطة صدام حاد، بعدما وجد البعض أنفسهم بين ما يفرضه الشرع والتقاليد، وبين الرغبة الجامحة في عيش هذه المرحلة بكل مغامراتها. تكتمل فرحة كل واحد عندما يجد نصفه الآخر ليبدأ حياة جديدة هدفها تكوين أسرة على أسس متينة تراعى فيها تعاليم ديننا الحنيف، وبعد أن كان العقد بين الزوجين يتم بعد فترة قصيرة وباقتراب موعد الزفاف تغيرت العادات في مجتمعنا، حيث ظهرت فترة الخطوبة المطولة التي قد تمتد لسنوات وما يتداول حول هذه الفترة بخصوص ما إن كانت الفتاة غريبة عن خطيبها، وما هي حدود العلاقة التي يجب أن تجمع بينهما؟ وإذا تجرأ البعض على تجاوز الخطوط الحمراء لا زال آخرون يصطدمون بأحكام الشرع والعرف، التي تمنعهم عن أي تصرفات طائشة خلال هذه المرحلة . اختلفت طرق التعاطي مع فترة الخطوبة بين من يراها فترة تعارف يجب فيها على الخطيبين الإقتراب أكثر من بعضهما، وبين من يمنع ابنته أو أخته على أن تلتقي مع خطيبها أن ينفردا ولو للحظة. شباب يمجّدون فترة الخطوبة ويصرون على عيشها بكل حرية أظهر الكثير من الشباب من كلا الجنسين ممن تحدثوا ل "السلام" رغبة كبيرة في عيش فترة الخطوبة بكل حرية وبدون أي قيود أو ضوابط يفرضها عليهم المجتمع، وهي وجهة نظر إيمان مخطوبة منذ سنة كاملة، فالخطوبة هي جزء لا يتجزأ من الحياة الزوجية، وبخصوص علاقتها بخطيبها فتؤكد أنها جد رومانسية يلتقيان بصورة متكررة، يتجولان ويتحدثان ويستمتعان بكل ما هو جميل على حد تعبيرها، وعن مدى وعيها بضوابط العلاقة في فترة الخطوبة أكدت إيمان أن علاقتها مع زوجها المستقبلي لا تتجاوز حدود الشرع، وإنما تلك اللقاءات ما هي سوى فرصة للتقرب أكثر من بعضهما، مثيلات إيمان كثيرات ممن يجدن من الأعراف التي تضع حاجزا بين الفتاة وخطيبها مجرد كلام أكل الزمن عليه وشرب، وهو ما عبرت عنه كاميليا التي قالت إن تلك القوالب الإجتماعية كانت مفروضة على الفتاة، فيما سمته بزمن جدتها، أين كانت المرأة ماكثة في البيت ومحرومة من كثير من الأشياء حتى في اختيار شريك حياتها، وهو ما انتقده فتيحة التي أكدت أن فترة الخطوبة في زمن سابق لم تكن موجودة، وإنما كان الزواج يتم بمجرد أن يكمل الزوجان التحضيرات للعرس، وحتى لما ظهرت هذه العادة الإجتماعية فإن فترة الخطوبة لم تكن لتطول كما يحدث حاليا. نوال كانت إحدى من طالت فترة خطبتها لأزيد من عامين لأن زوجها كان عاملا في الصحراء، فكانت تلك المرحلة التي سبقت الزواج بالنسبة لنوال وزوجها، فترة استعداد مالي ونفسي وإن كانا بعيدين عن بعضهما. أما الشباب فقد تباينت الآراء بين محبذ ورافض.. منهم نورالدين الذي يؤكد أنه يريد أن يعيش حياته مع خطيبته كما يحلو له وبدون تدخل أي أحد، وحجته في ذلك أن العصر تغيّر ويجب أن نواكبه وإلا وصفنا بالمعقدين والمتخلفين. أولياء يحاولون وضع ضوابط للعلاقة خلال فترة الخطوبة جميل أن تشعر المرأة أن هناك رجلا بجانبها يحبها ويقدرها ويريدها زوجة، إلا أن ذلك يبقى مربوطا بجملة من الضوابط الشرعية التي لا يمكن تجاوزها، وهو ما يسعى لتطبيقه كثير من الآباء ممن لا زالوا يفرضون على بناتهم مراعاة الحدود الشرعية في علاقتهن مع خطابهن، لأن الخطيب يبقى غريبا عن الفتاة من وجهة نظر كثير من الأولياء، لتجد بعض البنات أنفسهن بين تجنب المعصية وطاعة أوليائهن، وبين إرضاء الخطيب الذي يبقى يطلب في كثير من الحالات لقاء منفردا. كلما طالت فترة الخطوبة زادت المشاكل بين الخطيبين، ما يؤدي إلى انتهاء العلاقة أو حدوث أي علاقة محرمة تمس بسمعة الفتاة وعائلتها بالدرجة الأولى، كان هذا هو التبرير الذي قدمه لنا بعض أولياء الأموروالموقف ذاته التي وجدت نسيمة نفسها تتخبط فيه، فأبوها كان يرفض أن يزورها خطيبها أو حتى أن يدخل إلى البيت في حال لم يكن موجودا فيه، بل ويمنع أن تجلس معه، فهي لم تراه سوى لمرتين وهذا ما كان يثير غضبه على حد قولها، وإذا كان والد نسيمة متشددا خلال فترة الخطوبة فإن أب زينب فبقي جد محافظ حتى بعد العقد، فكان من المستحيل أن يراها زوجها بدون خمار،وأمام تشدد بعض الأولياء في المحافظة على حدود العلاقة خلال فترة الخطوبة، وجد بعض الأزواج أنفسهم كمثل من يشتري الحوت في البحر، كما عبر البعض خاصة أن بعض الأزواج يحبون أن يروا خطيباتهم بدون لباس شرعي قبل الزواج، لأن الشكل يبقى عاملا حاسما بالنسبة لهم في إكمال مراسيم الزواج أو إلغاؤه. إن الهدف من وراء تشدد بعض الأولياء في خروج ابنته مع من يتقدم لخطبتها، هو تفادي ما قد يحدث بينهما ويؤثر على العلاقة خاصة أن فسخ الخطوبة صارت ظاهرة متزايدة في مجتمعنا، كما ازداد الطلاق بعد العقد وقبل الدخول وكم من شاب تخلى عن خطيبته بعدما وقعا في المحظور، ليكتشف بعدها أن من سلمت نفسها بسهولة لا يمكن أن تكون زوجة له، كلها أمور جعلت بعض الأولياء يحاولون قدر المستطاع وضع حدود بين الرجل والمرأة خلال فترة الخطوبة، باعتبار أن حماية بناتهم مسوؤلية واقعة على عاتقهم رغم كونهن في بلغن سن الزواج. وعلى عكس هؤلاء يوجد من الأولياء من هم أكثر ليونة، حيث يعتبر بعضهم أن الفتاة صارت ملك زوجها بعد أن تقدم لخطبتها، ويجب أن يتركا ليعيشا حياتهما ولا يحق لهم التدخل في ذلك. "حميدة عشي" أستاذة علم الاجتماع تكشف: فترة الخطوبة عادة اجتماعية تبرز الصراع القائم بين الجيلين أكدت حميدة عشي، أستاذة علم الإجتماع بجامعة الجزائر خلال تقديمها تحليلا سوسيولوجيا للجدلية القائمة في حياة كثير من الشباب، أن العلاقة بين الشاب والفتاة في إطار علاقة الخطوبة، قد طرأت عليها تغييرات جذرية شأنها شأن العديد من العلاقات الاجتماعية الأخرى، فقد كان الخاطب لا يرى خطيبته إلا نادرا وأحيانا لا يتعدى الأمر مرة واحدة قبل الزواج، ولم يكن ذلك يثير إزعاج أي طرف من الأطراف، لأن هذا هو السائد في العرف والتقاليد التي لا يمكن تجاوزها، وقلما نجد من يتمرد عليها، ولكن الأمور حسب المتحدثة تغيرت تحت غطاء التفتح الذي حصل بفعل تأثير عدة عوامل خارجية، منها ما تبثه القنوات الفضائية التي تزين ببعض مسلسلاتها وأفلامها فترة الخطوبة وتدعو لعيشها بكل حرية، إضافة إلى انتشار السلوكات المشينة التي اكتسبها بعض الشباب. كما أشارت أستاذة علم الاجتماع إلى وجود صراع واضح بين الجيل الحالي والجيل السابق، من حيث المبادئ ومدى الإلتزام والعادات والتقاليد التي عرف بها مجتمعنا، ومن وجهة نظرها فإن التعامل مع الأمر يتطلب مراعاة تلك الأشواق التي تكتنف مشاعر الفتاة والشاب خلال فترة الخطوبة، والتي يمكن أن تسلك منحى آخر في حال تم كبتها، وذلك من خلال السماح لهما بالتعرف أكثر على بعضهما في إطار ما يسمح به الدين والعرف، وفي حال كان الأب أم الأم رافضا لتلك الممارسات التي يمكن أن تكون عفوية بين الخطيبين، هنا يأتي دورالرجل الذي يجب أن يراعي مشاعر الأب وقراراته، فالبنت لا تزال تحت مسؤولية أبيها ويريد حمايتها من أي مكروه، وليضع الخطيب نفسه في مكان الأب، فهو أيضا سيصبح أبا في يوم من الأيام، وحول المسألة ذاتها انتقدت حميدة عشي سلوكات بعض الشباب قائلة: "من الخطأ أن يفرض الخطيب على خطيبته بعض الحقوق الزوجية مادامت لا تزال في بيت أهلها، بدافع أنه يختبر طاعتها له، فليس هناك أفضل من علاقة تراعى فيها حدود الشرع وأحكام العرف. "أسماء دحو" المرشدة الدينية تدعو: لفترة الخطوبة حدود شرعية يجب مراعاتها حفاظا على شرف الطرفين دعت أسماء دحو، مرشدة دينية، إلى ضرورة مراعاة حدود الشرع في العلاقة خلال فترة الخطوبة، مؤكدة في سياق حديثها أن لهذه المرحلة جملة من الضوابط الخاصة بها، وذلك حفاظا على شرف وسمعة الطرفين، فلا ينبغي أن تنفرد الفتاة بخطيبها في خلوة وبدون وجود محرم، كما لا يجب أن تظهر بلباس فاضح لأنه ما لم يتم العقد الشرعي بينهما فهي تبقى غريبة عنه، لأن العقد بين الزوجين هو الكفيل بإعطاء الزوجة حقوقها الكاملة، وحول المسألة ذاتها تفصل المرشدة الدينية قائلة: "إن الرجل عندما يرى خطيبته ويستفرد بها أو عندما تتزين له أو تجلس أمامه بلباس فاضح، فإن ذلك سيعمل على إثارة شهوته فيخرج من عندها وهو يحاول قضاء تلك الحاجة، ما يزيد من احتمال وقوعه في المحظور معها أو مع غيرها، لذا فالخلوة بينهما محرمة". أما عن النصائح التي ركزت عليها فهي ضرورة التعجيل بالزواج وإن كانت هناك فترة خطوبة فمن الأفضل أن تكون قصيرة والزيارات متباعدة، كما دعت أسماء دحو المرأة إلى عدم الموافقة على طلب الخطيب فيما يخص العلاقة الجسدية مهما حدث، لأن أي خطأ من هذا النوع قد يؤدي إلى بعض الشكوك، وإذا دخل الشك ضاعت الثقة، وإذا حدث ذلك فالعلاقة على مشارف الإنتهاء مهما طالت.