في تلويح متجدد بورقة التعويضات، عاد مخضرمو «الأقدام السوداء» وكذا «يهود الجزائر»، للإعلان عن تحريكهم مئات الدعاوى القضائية ضدّ الجزائر بغرض حملها على منحهم تعويضات، في خطوة ابتزازية جديدة أتت بعدما أسقطت محاكم أوروبية عدد من الدعاوى في العامين الماضيين، وقضت بعدم مشروعية ما يطالب به قدماء المستوطنين الفرنسيين الذين استنزفوا ثروات الجزائر إبان احتلالها. وشدّد ساسة وقانونيون في تصريحات خاصة ب «السلام»، على حتمية فرض هجوم معاكس ضدّ فرنسا على خلفية ضلوعها بنظرهم في الابتزاز الحاصل، ويرى هؤلاء بضرورة حمل المحتل القديم على تعويض الجزائريين الذين نُهبت ممتلكاتهم غداة غزو الجزائر في الخامس جويلية 1830، وما لفّ قرن ونيف من ابتلاع الكولونيالية لثروات البلاد. قال إنّ الاتفاقيات المبرمة منذ 1963 فصلت في جميع النقاط العالقة الأفالان يرفض الاعتراف بمزاعم الأقدام السوداء اعتبر «قاسى عيسي» المتحدث باسم حزب جبهة التحرير الوطني، مطالبة الأقدام السوداء باسترداد أملاكها بالجزائر نابع عن عدم هضمها لفكرة استرجاع الجزائر لسيادتها الوطنية، وانعتاقها من قيود المستعمر الفرنسي الذي احتلها لأكثر من قرن و32 سنة. وقال عيسي الناطق الرسمي باسم الأفالان في تصريح ل»السلام»، بأنّ الأقدام السوداء أو ما يسمى بيهود الجزائر يسعون إلى التشويش على الجزائر من جديد، في تعليقه عن «وعيد» جمعية تسمي نفسها «اتحاد الدفاع عن مصالح الفرنسيين المصادرة أملاكهم في الجزائر وما وراء البحار»، برفع قرابة 500 دعوى فردية، على أن تضاف 300 أخرى خلال الفترة القادمة، بغرض تسريع ما سمته (إجبار) السلطات الجزائرية لتعويضهم عما نعتته تلك الجمعية «ممتلكات الفرنسيين المسلوبة»، على حد ما ورد في البيان. وأكّد عيسي أنّ الحزب العتيد لا يعترف بالحقوق المزعومة لهذه الشريحة، حتى وإن أودعوا الآلاف من الملفات على مستوى الهيئات القضائية الدولية، مستغربا في سياق حديثه مطالب المعمرين في ظل الجزائر المستقلة الذين عملوا طوال فترة احتلالهم بحسبه على نزف خيراتها واستعباد سكانها. وفي موضوع استعمال فرنسا لورقة الأقدام السوداء للضغط على الدولة الجزائرية، أوضح القيادي بالأفالان أنّ الموقف السياسي للحزب الذي ينضوي تحت لوائه واضح، تاركا ملف أملاكها الشاغرة «غير المنطقية» برأيه إلى الدولة الجهة المخولة بالفصل فيها دون سواها. كما أن عيسي اعترف بوجود يهود جزائريين يملكون الجنسية الجزائرية، وقد أقرت السلطة بأحقية أملاكهم الفردية المكتسبة على اعتبار أنهم عاشوا في البلاد، وظلوا يمارسون طقوسهم الدينية دون أي مضايقات، وشدّد محدثنا على ضرورة العودة إلى الاتفاقيات المبرمة بين الجانبين الجزائري والفرنسي سنة 1963، التي فصلت في جميع النقاط العالقة، ومن بينها مزاعم الأقدام السوداء. بدوره أقر «عبد الرحمان بلعياط» القيادي بحزب جبهة التحير الوطني، بأن الأقدام السوداء ومزاعمها بفقدانها لأملاكها الشاغرة قضية شائكة، مؤكدا بأنه سيتحدث عنها وبالتفصيل خلال الأيام القادمة. وكان «روجيه سعيد» رئيس ما يسمى «جمعية يهود الجزائر»، ادعى قبل فترة، أنّ تنظيمه سيجدد المطالبة بتقديم السلطات الجزائرية «تعويضات» قدّرها ب12 مليار فرنك فرنسي قديم (ما يعادل مليار ومائتي مليون دولار)، ولم يشر روجيه سعيد إلى الوسائل والسبل التي سيستخدمها، إلا أنه ألمح بقوة إلى استخدامه ورقة الضغط الدولي، مشيراً إلى مساعي الكنيست الإسرائيلي لحمل أكثر من دولة عربية على تعويض اليهود. وزعم محررو البيان، أنّ قيمة التعويضات التي يطالبون بها تربو قيمتها عن 1.2 مليار يورو، ويدعّي هؤلاء أنّ الجزائر يجب أن تمنحهم تعويضات عن ممتلكاتهم التي صودرت بعدما ارتضى نحو مليون من الأقدام السوداء مغادرة الجزائر على عجل، وأعطت سلطات الأخيرة الأمان لهؤلاء رغم كل ما اقترفوه في حق البلد وسكانه الأصليين. شدّد على عدم أهلية المحاكم الأوربية للنظر في مزاعم الأقدام السوداء بوشاشي ل «السلام»: «هولاند مدعو للاعتراف بجرائم الكولونيالية» قال «مصطفى بوشاشي» الرئيس السابق للرابطة الجزائرية لدفاع عن حقوق الإنسان سابقا، بأن الجرائم التي ارتكبها المستعمر الفرنسي في الجزائر لأكثر من قرن وربع ضد الأملاك والأرواح تستدعي من فرنسا الاشتراكية اليوم الاعتراف بها، من أجل طي صفحة الماضي وفتح فصحة جديدة في العلاقات الثنائية التي تكون مبنية على المصالح المشتركة. وأوضح الرجل الحقوقي في تصريح ل»السلام»، أن موضوع اعتراف السلطة الجزائرية بالأملاك الشاغرة للأقدام السوداء يتعدى فكرة الأشخاص، حيث أبرز بوشاشي أحقية الجزائر في التعويض عن الجرائم الإنسانية التي ارتكبها المستعمر الفرنسي ضد الشعب الجزائري الأعزل المصحوبة بعمليات الاستنزاف لثرواته وممتلكاته. وفي رده عن الخطوة التي قامت بها جمعيتا كل من يهود الجزائر ويهود فرنسا بإيداعهما لأكثر من 6 آلاف طلب على مستوى الهيئات القضائية الأوربية، يتضمن أحقيتهم في استرداد ما يعادل 1.2 مليار دولار تعويضا عن 2400 أملاك شاغرة تركوها بالجزائر بعد الاستقلال، اعتبر «مصطفى بوشاشي» بأن المحاكم الأوربية الخاصة بحقوق الإنسان تختص بالنظر في القضايا التي تقع في حدود إقليمها، في إشارة منه إلى أنها لا تستطيع الخوض في ملفات الأقدام السوداء التي أقحمت الجزائر كطرف متهم فيها. كما أكد المتحدث الذي فضل الخوض في تشريح الموضوع بعد تخليه عن قبعة الرجل السياسي عن حزب جبهة القوى الاشتراكية، بأن تداعيات مطالب الأقدام السوداء مرهونة بطبيعة العلاقات التي ستطبع الجانبين «الجزائري والفرنسي» في ظل حكومة هولاند الاشتراكية. رافعا لتعاط مغاير مع تحركات الأقدام السوداء تواتي وبن براهم يطالبان الحكومة بصرامة أكبر تقاطع كل من «موسى تواتي» رئيس حزب الجبهة الوطنية الجزائرية والحقوقية «فاطمة الزهراء بن براهم»، في ضرورة التصدي قانونيا لمطالب الأقدام السوداء وجمعية يهود الجزائر لإجهاض مزاعمهم القائلة بضرورة التزام السلطات الجزائرية بتعويضهم ما قيمته 1.2 مليار دولار كقيمة لممتلكاتهم التي ادعوا أنها حق مشروع سلب منهم، وطالبا بقطع الطريق على مثل هذه المبادرات الفرنسية المجهولة العواقب. وأكد تواتي في اتصال خص به «السلام»، أنّ الجزائر هي الأولى بمطالبة الحكومة الفرنسية بتعويضات جراء عملية الاستنزاف الشنيعة التي كان يمارسها الاستعمار تجاه الثروات الجزائرية التي استغلت آنذاك كلها لخدمة الاقتصاد الفرنسي، فضلا على أموال الضرائب المتنوعة التي كان الجزائريون مجبرون على دفعها لفائدة الخزينة الفرنسية. واعتبر تواتي في السياق ذاته، أنّ مطالب كل من جمعيتي يهود الجزائر ويهود فرنسا القائلة بضرورة استرجاع حوالي 2400 ملك على التراب الجزائري أي ما يعادل مليار و200 مليون دولار أو الالتزام بعملية تعويض أمر غير منطقي، مشددا في هذا السياق على ضرورة تحرك السلطات والقضاء الجزائري خاصة للتصدي وبكل حزم لهذه المبادرة الفرنسية الرامية إلى تمويه فاشل - على حد تعبير المتحدث - لتحاشي أو تخفيف حدة المطالب الجزائرية باعتراف فرنسا بجرائمها بالجزائر. وتساءل رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية، قائلا: «كيف لنا أن نعوض جمعيات خلفها الاستعمار تدعي أحقيتها في جزء من أملاك بلادنا، وما هو حق شرعي خاص بنا»، هذا واستغرب تواتي إصرار هذه الجمعيات الخادمة لأجندات فرنسية على هذه المطالب، في الوقت الذي تواصل فيه الحكومة الفرنسية رفضها الاعتراف بجرائمها الاستعمارية في الجزائر. من جهتها، استنكرت المحامية «فاطمة الزهراء بن براهم» في حديث لها أمس، مع «السلام» السكوت غير المبرر الذي تتبناه السلطات الجزائرية تجاه هذه القضية التي أعادت هذه الجمعيات المنبثقة من كنف الحكومة الفرنسية والتي تخدم بطبيعة الحال للمصالح ومواقف هذه الأخيرة بعثها بعدما رفضت المحكمة الأوروبية 6 آلاف طلب لها، في وقت كانت الحكومة الجزائرية التزمت بتعويضها مرتين - على حد تأكيد المتحدثة - وهو ما فتح المجال للجانب الفرنسي الممثل في هذه الجمعيات لإعادة بعث القضية من جديد. وشدّدت بن براهم في هذا الصدد على عدم امتلاك هذه الجمعيات وحتى السلطات الفرنسية لأي حق قد يخولها امتلاك أي شبر من تراب الجزائر، وعليه حذرت بن براهم من تداعيات وخطورة مساعي هذه المبادرة الفرنسية المجهولة العواقب.