إن أمر النية لعظيم، وإن شأنها لجسيم، "فالنية هي سر العبودية وروحها ومحلها من العمل محل الروح من الجسد، فالعمل تابع لها يصح بصحتها، ويفسد بفسادها، وهذا معنى الأثر المروي موقوفاً على أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه: "لا عمل لمن لا نية له، ولا أجر لمن لا حسبة له"، وقد قال تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدِّينَ}. والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد قال كلمتين كفتا وشفتا، وتحتهما كنوز العلم، وهما قوله: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، فبين في الجملة الأولى أن العمل لا يقع إلا بالنية، ولهذا لا يكون عمل إلا بنية، ثم بين في الجملة الثانية أن العامل ليس له من عمله إلا ما نواه، وهذا يعم العبادات والمعاملات، والأيمان والنذور، وسائر العقود والأفعال". وأما معنى النية فهو القصد، وهو عزم القلب، قال الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي في أول كتابه مختصر السنن معنى قول الشافعي رضي الله تعالى عنه: يدخل فيه ثلث العلم أن كسب العبد إنما يكون بقلبه ولسانه ونياته، والنية أحد أقسام كسبه، وهي أرجحها. وبعد أن علمت أهمية هذه النية، سارع إلى تفقدها، فها قد أظلك شهر كريم شهر فرض الله علينا صيامه، فكيف نيتك مع هذا الصيام، وكيف حالها؟ قف مع نفسك واسألها: هل تصومين رمضان لأنك قد اعتدت ذلك؟ هل تصومين رمضان لأن الناس بجوارك كلهم صائمون، فتستحي أن تخالفيهم؟ هل تصومين رمضان لأنك قرأت عن فوائد الصيام الصحية، فأنت تصومين لأجل تلك الفوائد؟ هل تصومين لأنك تحسين أنك مجبرة على ذلك من قبل أحد من الناس؟ لا بد أن تراجع نيتك، وأن تقف معها دائما عند كل عبادة تريد أن تتعبد الله بها، فإن النية تتقلب في كل لحظه، ولا بد أن تستشعر أن تكون نيتك في هذا الصيام: لأن الله - تعالى - تعبدني بصيام رمضان، ولأن صيام رمضان ركن من أركان الإسلام، فلا يصح إسلام أحد حتى يعمل بكل أركان الإسلام، وهكذا مع كل عمل لله لا بد أن تنوي به التعبد لله تعالى. {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين}. نسأل الله تعالى أن يخلص نياتنا، وأن يتقبل أعمالنا إنه سميع مجيب.