تحتفل الجزائر في كل سنة بيوم تفجير الثورة الجزائرية المصادف لأول نوفمبر 1954، حيث يسترجع الجزائريون ذاكرتهم إلى سنوات مضت، ليسترجعوا تضحيات مجاهدي الثورة الذين قاوموا الإستعمار وغامروا بحياتهم للثأر من مجازر الفرنسيين ضد الأبرياء من الأطفال والنساء، لتكون تلك المبادرة كبداية لاستقلال الجزائر بعد مرور سنوات من تضحيات الأبطال. هي ثورة حاول المجاهدون من خلالها مساعدة إخوانهم المدنيين بجميع الفئات للثأر للمجازر التي ارتكبت بأبشع الطرق بأيادي الجنود الفرنسيين الذين لايملكون لا ضمير ولا رحمة، فلم يسلم منهم الأبرياء من المواطنين، حيث قاموا بتعذيب النساء والأطفال بطرق وحشية تخالف حقوق الإنسان بإقتحام منازلهم ليقتلوا برصاص المستعمر دون أن يرتكبوا أي ذنب سوى أنهم أرادوا أن يبقوا سالمين بكل حرية على أرضهم، هذا ما حرك غريزة حب الوطن والثأر لدى أبناء الجزائر في هذا اليوم الموافق لأول نوفمبر، ليقاوموا عدوانهم ويخلصوا هؤلاء الأبرياء من أياديهم، وبالرغم من أنهم لم يملكوا أسلحة متطورة كالمستعمر إلا أنهم حاولوا تحرير وطنهم بتفجير تلك الثورة الشعبية بقدراتهم البسيطة في بداية نوفمبر من سنة 1954، ليشارك فيها رجال الثورة من المدنيين الذين جندوا أنفسهم للانضمام إلى صفوف المجاهدين الأبطال ليضحوا بحياتهم، حتى وإن كان الثمن أن يموتوا شهداء في سبيل الثأر لدماء الأبرياء في تلك المجازر، ولا يقتصر الأمر على تعاون رجال الثورة مع المجاهدين بل ان النساء كانت لهن تضحيات لايستهان بها سواء في إنضمامهن للمجاهدين ومحاربة العدوان الفرنسي بكل شجاعة، فقد حاولن في تلك الفترة إخفاء ملامح أنوثتهن لإظهار قوة شخصيتهن أمام هؤلاء الجنود لينجحوا في مساعدة إخوانهن المجاهدين سواء بنقل أسلحتهم بالقفة أو إخفائهن في منازلهن، كما أن ربات البيوت في تلك الفترة قدموا يد العون بتقديم مجوهراتهن للمجاهدين ليتمكنوا من شراء الأسلحة اللازمة لمقاومة المستعمر، وخير مثال على تضحية المرأة في تلك الفترة ما قدمته المجاهدة جميلة بوحيرد، من بطولات لتحرير الوطن من الجنود الفرنسيين، كما أنهن قمن بتقديم يد العون لهم بأبسط الطرق سواء بغسل ملابسهم أو تحضير الطعام لهم، وهو ما شجعهم على إكمال مشوارهم إلى أخر قطرة دم تشرفوا بفقدانها في هذا اليوم عند نجاحهم في قتل جنود الإحتلال الفرنسي لبداية مشوار المقاومة التي فجرت في أول نوفمبر، بعد أن مست مجازر العدو أغلب القرى والمدن الجزائرية لتبدأ جمعيات جبهة التحرير بالتخطيط لتنظيم تلك الثورة في إجتماعات سرية للهجوم على ثكنات المستعمر الفرنسي، ليكون أول نوفمبر سببا في الإستقلال بعد سنوات من جهاد الأبطال، هذا ما دفعنا لزيارة منازل بعض المجاهدين غير المعروفين لنتعرف على البطولات التي قدموها خلال تلك الثورة، حيث التقينا بالمجاهد مكيداش محمد، الذي استقبلنا في منزله بوجهه البشوش وقد قرر استرجاع ذاكرته إلى الماضي بالرغم من أن عمره قد قارب ال80، إلا أنه مازال يتذكر ما حدث في أول نوفمبر حيث أكد خلال حديثه معنا أنه لم يتحمل المشاهد البشعة التي قتل فيها المستعمر جميع أفراد عائلته بعد غيابه عن المنزل، والتي كانت سببا في إنضمامه لصفوف المجاهدين ليثأر لما خلفه جنود المستعمر من حزن وأسى بعد مشاهدته لوالديه وهما غارقين في دمائهما بمنزلهما، كما أضاف أنه شارك في العديد من العمليات التي نظمها حزب جبهة التحرير بتلك الفترة، وقد نجح في قتل عدد كبير من الجنود الفرنسيين برفقة إخوانه المجاهدين ولم يبخل بأي شئ يملكه في سبيل توقيف أيادي الإحتلال عن قتل الجزائريين، مضياف أنه تعرض لأعنف أنواع التعذيب والظلم في سجون الإحتلال إلا أن هذا لم يوقفه عن مقاومة الإحتلال بل حفزه على النضال بعدما نجح في الفرار من هذا السجن بمساعدة رفاقه، ليواصل المسيرة النضالية لسنوات ليشعر بالراحة النفسية بعد أن ساهم بمشاركته بثورة أول نوفمبر في قتل الجنود وطردهم من أرض الوطن في يوم الإستقلال، بعدما نجح المجاهدون في تحقيق أهداف الثورة وإستعادة سيادة وكرامة الجزائر من العدوان الفرنسي، كما كشف خلال حديثه أنه شارك في إحدى التفجيرات قبل أسابيع قليلة من يوم الإستقلال، حيث قام بوضع إحدى القنابل أمام إحدى المقاهي التي كان يجتمع بها عدد كبير من جنود الإحتلال، فكان هذا سببا في فقدانه ليده اليمنى إلا أنه لم يندم يوما على إعاقته بل يفتخر أمام عائلته بها كونها تدل على حبه للوطن وعن البطولات التي قدمها، ليبقى -حسب قوله الجيل الجديد من الجزائريين- محافظين على كرامتهم بحرية على أرض الوطن، كما أشار في نهاية حديثه أنه لطالما تمنى أن يموت شهيدا في سبيل استرجاع الجزائر إستقلالها وتخليصها من أيادي المستعمرالذي كانت سببا في قتل ملايين الشهداء. مجاهدون لم يذكرهم التاريخ لكن أفعالهم البطولية تبقى راسخة لايقتصر الجهاد على المشاركة في الهجوم المسلح ضد الإحتلال بل أن مساهمة جميع من عاشوا تلك الفترة، ولو بأبسط الأمور سواء المادية أو المعنوية تعتبر بطولة من قبلهم تصنفهم بمرتبة المجاهدين حتى وإن كانت أسماؤهم لم تذكر في لوائح المجاهدين المعروفين، إلا أن وقوفهم إلى جانب مناضلي الثورة يستحق تكريمهم فهناك أبطال أخرون ساهموا بجميع أملاكهم وقدراتهم لمد يد العون للمجاهدين لسنوات طويلة إبان الإحتلال الفرنسي، كمبادرة منهم لتشجيع إخوانهم المناضلين على إكمال نضالهم وهجومهم المسلح من بينهم والدة المجاهد المعروف الوناس حمزاوي، التي قارب سنها ال 90 سنة والتي علمنا من أقاربها أنها كانت رمزا للعطاء اللامتناهي إبان ثورة أول نوفمبر إلى غاية حصول الجزائر على الإستقلال، حيث تفاجأنا خلال حديثنا معها أنها تتذكر جميع وقائع الفاتح من نوفمبر بالرغم من كبر سنها، حيث أكدت خلال حديثها معنا أنها شجعت ابنها على المشاركة في ثورة أول نوفمبر والإنضمام لإخوانه المجاهدين لمقاومة العدو، كما أنها كانت تمولهم لتساعدهم على شراء الأسلحة بعدما تبرعت لهم بجميع ما تملك من مجوهرات للمجاهدين في تلك الفترة، وقد أضافت أنها قدمت بيتها المتواجد بالقصبة للمجاهدين لينظموا فيه إجتماعاتهم السرية، كما كشفت في حديثها أنها قدمت مساعدات أخرى للمناضلين إبان الإستعمار حيث أنها قامت بإخفاء المجاهدين الفارين من جنود الإحتلال ببيتها، كما تقول أنها خصصت البئر المتواجد بمنزلها لتخزين أسلحتهم ولم تفصح عن مخابئهم أو مكان تنظيم إجتماعات المجاهدين بالرغم من محاولة الجنود الفرنسيين إجبارها على الإفصاح عن أماكن اختبائهم بالقوة، بعدما تعرضت للتعذيب بالكهرباء والضرب العنيف الذي تسبب في إصابتها بكسور. كما لاتختلف بطولات نساء أخريات عن من ناضلوا إبان الثورة، خاصة أنهن لم يبخلن بعلمهن الذي كان حافزا لهن لمساندة المجاهدين، ولعل خير مثال على نضال المرأة وجهدها الكبير في حقبة الاستعمار مليكة عمارة، صاحبة ال70 عاما فهي واحدة من النساء اللواتي قدمن تضحيات كبيرة من أجل تحرير الوطن إبان ثورة التحرير، لم تبخل على المجاهدين إبان الإستعمار الفرنسي بعلمها وخبرتها الواسعة في مجال التمريض فكانت سندا لهم في أزماتهم وقد ضمدت جروح المجاهدين وساعدت على شفائهم من أمراضهم لسنوات طويلة، بداية من أول نوفمبر إلى حين إستقلال الجزائر هذا ما أخبرتنا عنه ممرضة المجاهدين خلال اللقاء الذي جمعنا بها، كما أضافت أنها أرادت مساعدة المجاهدين بأبسط ما تملك خاصة أنهم كانوا بأمس الحاجة لمن يرعاهم عند مرضهم أو إصابتهم برصاص المستعمر، حيث تقول لقد كرست حياتي خلال فترة الإستعمار الفرنسي لخدمة المجاهدين وكنت أعتبر رعايتهم شرف لي، خاصة أني كنت أؤدي واجبي إتجاه الوطن كما أضافت أنها كانت ترافق أصدقاء المجاهدين المصابين إلى مخابئهم في المناطق الصعبة بالجبال، وقد خاطرت بحياتي في سبيل إنقاذ المجاهدين من الموت بمواجهة جنود العدو لأتمكن من الوصول بصعوبة إلى مقر إقامة المجاهدين لأتكفل بوضعيتهم الصحية لأخرج الرصاص من أجسادهم، كما قمت بمساعدة العديد من مناضلي الثورة والمدنيين الذين أصيبوا في أول نوفمبر وقد ساعدتهم على الشفاء من بعض الأمراض، حيث قررت المشاركة في النضال الثوري برفقة المجاهدين طيلة حقبة الإستعمار لأكون ممرضتهم الخاصة التي تحل لهم أزماتهم الصحية، حيث أنني كنت متأهبة لجميع الأحوال التي تستدعي خروجي في ساعات متأخرة من الليل، وقد حاولت مواجهة جميع العواقب لأكرس عملي لصالح ثوار أول نوفمبر، كما كشفت خلال حديثها أنها أنفقت جميع أموالها لشراء المستلزمات الصحية والأدوية للثوار، خاصة أن بعض الحالات كانت تستدعي القيام بعمليات جراحية بسيطة بخياطة جروح المجاهدين المفتوحة، كما أن خبرتي الواسعة في التمريض مكنتني من تحضير أدوية مصنوعة بالأعشاب كبديل عن الأدوية المفقودة في تلك الفترة، لأعالج بها المدنيين والمجاهدين من أمراضهم والتي تعمد العدوان الفرنسي على إخفائها لكي لايتمكن الجزائريون من علاج أمراضهم، وفي نهاية حديثها تعتبر مليكة، نفسها من مجاهدات الثورة كونها قد ساندت الثوار في أزماتهم وساهمت في إنقاذ حياتهم حتى وإن لم يوضع إسمها على لائحة المجاهدين.