قد يبدو السؤال في غير محله، لأن المعروف والسائد أن صاحب الكلمة الأولى والأخيرة هو الأب الذي له علاقة في كل صغيرة وكبيرة في الأسرة، لكن من يمثل الأب إذا غاب؟! في مجتمعنا الجزائري الذي يعلي شأن الذكور، تكون الأم في الغالب هي التي تحكم البيت ولكن دورها الإداري والتنفيذي يكون في الظل، حيث يبقى القرار في يد الابن الذي يعتبر هو الرجل الكبير، وأحيانا وفي ظل وجود الأب وقيامه بكل أعباء سلطته على البنات والأولاد، يتخذ الأخ الأكبر لنفسه هامشا ما يضيق ويتسع في السلطة، إذن في معظم البيوت يتكرر هذا المشهد، فالبنت حبة عين أمها وأبيها تريد الخروج الى السوق أو الذهاب الى صديقتها يعترضها شقيقها الأكبر أو الأصغر، ممنوع الخروج، تحدث مشادة كلامية بين الأخ الأكبر والبنت. وأخيرا يكون القرار الأول والأخير له بعدم الخروج الا بإذنه. ياترى ماهي حدود السلطة لدى الأخ؟ ومتى يتدخل الآباء في سلطة الأبناء؟ تساؤلات نطرحها في هذا التحقيق. للأخ الأكبر امتيازات “هدى .ع” تدرس بجامعة الحقوق تقول: “أشقائي الذكور كلهم أكبر مني، لذلك يفرضون علّي قيودا كثيرة، فهم يرفضون خروجي إلا معهم ويمنعوني من حضور المناسبات، لكن عندما يكون والدى موجودا لا يستطيعون فرض أية قيود لأن والدي أكثر تفهما”، وتضيف: “في إحدى المرات دعتني صديقتى الى حفل زواج فمنعني شقيقي الأكبر من الذهاب، وعندما اخبر والدى وافق غير إن شقيقي حاول مناقشته فأنهى أبي الحوار بحسم، مؤكدا انه هو المسؤول عني وليس مسموحا لاحد أن يفرض سلطته علي. وتستدرك هدى: “على أي حال ما يحدث هو أمر عادي ففي كل الأسرة تكون للأخ امتيازات خاصة، والتحكم في هذه الامتيازات بالزيادة أو النقصان، يرجع للأب ومقدار تفهمه لنفسيات وشخصيات بناته”. أفعاله تعكر حياتي ومن هدى الى فاطمة بن علي (موظفة) تقول: “تحكمات أخي لا تنتهي، فالبرغم من إنني أعمل الآن الا ان شقيقي الأكبر لا يزال يأمرني بفعل ما يريده هو، فمثلا ممنوع أن أذهب الى أي مكان أريده إلا بصحبته، لا اشعر أنني حصلت على حريتي لانه يرصد خطواتي، والسبب في ذلك انه متعدد العلاقات ويظن ان كل البنات يسهل خداعهن، ويخشى من أن يضحك علي أحد من الشباب، فأفعاله الخاطئة تعكر صفو حياتي، وكلما حاولت أن أقنعه أنني كبيرة وراشدة ينفعل ويهددني بالضرب، أما والدى فيتفرج على ما يحدث مرددا عبارته الشهيرة “اكسر للبنت ضلع يطلع لها 24 ضلعا”، ولكثرة ما أعانيه فكرت في الموافقة على أي شخص يتقدم لخطبتي، لكن أخاف أن يكون أصعب من أخي وأن يحكم علّي بالسجن مدى الحياة. لست صغيرة على عكس تجربة فاطمة تقول “نجاة” وهي طالبة: “محاولات شقيقي في التدخل بحياتي فاشلة لان والدى موجود، وهناك مواقف كثيرة يذكرني فيها بأنه الأكبر ويجب ان احترم رأيه، لكني أرد عليه بأنني لست صغيرة، وطالما إنني لا أخطئ فيما أفعله فلا داعي لفرض سيطرته علّي لأننا متساويان في الحقوق والواجبات، لذلك فأنا لا أعاني من أي تسلط أخوي لأننا متساويان في المعاملة، وهذا الأسلوب الذي يتبعه والدى معنا منذ الصغر، وذلك بعكس الكثيرات من زميلاتي اللائي يعانين من تسلط أشقائهن الذكور، وفي السياق نفسه تقول “منار البخاري”: “والدى وشقيقي الأكبر يعاملاني بحب واحترام، ولأن أخي صغير فهو لا يملك أي سلطات في البيت، ولا أعتقد أن والدى سيسمح له في يوم من الأيام عندما يكبر بفرض أي سيطرة علينا، ولكن في المقابل لدي صديقة تعاني من هذه المشكلة، حيث أن شقيقها الذي يكبرها بسنة واحدة يمنعها من الخروج أو حضور أي مناسبة، وللأسف أمه تشجعه على الاستمرار في هذه التصرفات باعتبار انه رجل البيت ان غاب الأب، في حين أن تصرفاته مع شقيقاته أبعد ما تكون عن الرجولة. أبي صاحب السلطة والدى مصدر السلطة هكذا بدأت “بدر احلام” طالبة كلامها قائلة: “لا نأخذ أي قرار في البيت إلا بموافقة والدي، لذلك لا توجد أي فرصة لأن يمارس أخي أي سلطات، فنحن متساويان في الحقوق والواجبات، واعتقد انه إذا فكر بعد فترة في الحد من حريتي فلن اسمح له، فأنا تربيت بأسلوب معين وعندي حرية في الكثير من الأشياء يصعب أن أتنازل عنها أو أن أسمح له بالحد منها، فالبنت التي تعاني من سيطرة أشقائها مسؤولة عن ذلك، لأنها لو استطاعت من البداية إجبارهم على الاعتراف بشخصيتها ما عانت من تحكماتهم فيها. ماذا يقول الأشقاء والأولياء؟ صداقة شقيقاتي أهم شيئ بالنسبة لي يقول محمد الإبراهيمي: “للأسف أصبح هناك أخوة يمارسون سلطات وقيودا على أخواتهم، لكن بالنسبة لي أفضل كسب صداقة شقيقاتي، لأنهن يلجأن الى استشارتي في كل الأمور، وأحاول الإقناع في مناقشاتي، وإذا لم يقتنعن لا اغضب، لان ذلك سيفقدني حبهن، كذلك الوالد يحرص على غرس الاستقلال فينا جميعا ولا أفكر في سلبهن إرادتهن كما يفعل بعض الاخوة مع أخواتهم. دوري إرشادي لا أكثر عبد الله، يؤكد انه نادرا ما يمنع شقيقاته عن فعل ما يردن، وذلك لان وجود والده يجعلهن جميعا يلجأن إليه. ويتابع: “دوري كأخ إرشادي أكثر منه تحكمي، لأنني إن فكرت في السيطرة فلن يسمح والدى ببذلك، بالإضافة الى إنني احبهم بشدة ولا أفكر في إجبارهن على أي شيء، وأعتقد انه من الصعب الآن أن يمارس الأخ أية سيطرة على أخواته، خصوصا إن كانت أسرة متفاهمة يقوم فيها الأب بدوره على أكمل وجه. ويختلف خالد قائلا: “البنت يجب أن تخاف أخاها حتى لا تفعل أي خطأ في غيابه، فالزمن الذي نعيشه الآن غير مأمون، خصوصا وان أخلاق البنت فسدت هذه الأيام، ويصعب إصلاحها بدون شدة وعنف، واذكر إن أختي خرجت الى حفل عيد الميلاد واشترطت عليها أن تعود في الساعة التاسعة والنصف، ولم تأت الا في الحادية عشرة، فلم يكن مني إلا أنني ضربتها لتدرك أن هناك رجلا بالبيت، ولتعلم إنني أحميها من نفسها. الآباء والأمهات ما رأيهم؟ أما الآباء والأمهات فلهم أراء متفاوتة.. تقول مريم، “يجب على الأخ الأكبر أن تكون له سلطة على شقيقاته خصوصا في حال غياب أو انشغال الأب”، وتضيف: “منذ فترة قريبة مرت ابنتي بمشكلة وأصر أخوها الأكبر على التدخل لكني رفضت لان هذا دور والدها وتدخل ضمن نطاق مسؤوليته، فالأب هو الحاكم ويجب ألا يتنازل عن سلطاته للابن، لأن الابن بحكم قلة خبرته لن يستطيع التعامل مع مشكلات شقيقته بروية، بل الضرب وقذف الشتائم هي الطريقة التي يتبعها معظم الاخوة”. وعلى العكس تعاني مريم، من سيطرة ابنها الأكبر على كل من في البيت، وخصوصا على أخواته وتزداد المشكلة بموافقة الأب على كل تصرفاته وتشجيعه له على استعمال العنف مع البنات، بدعوى انه يجب أن تخاف منه شقيقاته حتى لا ينحرفن!! وتضيف: “أحاول وضع حد لعنفه مع شقيقاته لكنه لا يسمع الكلام، بل وصل الأمر به أن يفرض سيطرته علّي، وكل ما اخشاه الآن أن تكرهه أخواته، لكن ليس باستطاعتي فعل شيء، فالمجتمع يعطي الولد كل الصلاحيات”. ضد سيطرة الأخ يقول علي، رب أسرة: “أنا ضد سيطرة الأخ على أخوته خصوصا إن زاد الأمر عن حده في معظم البيوت، حيث يعتبر الأخ قسوته مع شقيقاته وتحكمه في تصرفاتهن دليل الرجولة، وتزداد المشكلة بغياب الأب وانشغاله عن أبنائه، ففي الوقت الذي يستمتع فيه الأخ بحريته خارج البيت والتصرف كما يحلو له، لكنه في المقابل لا يسمح لشقيقاته بمجرد الخروج مع صديقاتهن، لذلك فأنا أرفض وصاية الأخ على اخوته، لأن في ذلك خطورة على الاثنين”. الحكمة تحل المشكلة من المعروف لدينا ان مجتمعنا الجزائري يعلي شأن الذكر ويفضله على الأنثى ومعظم الأسر تغرس هذه النظرة، مما يجعل الولد ينظر الى أخته بنفس المعيار، على إنها مخلوق أدنى منه، نفس الشيء لدى البنت تعتقد أنها أدنى من أخيها وانه أفضل منها، هذا ما يؤكده خالد بن عمر، دكتور علم نفس والاجتماع يقول: “تزداد حجم السلطة مع زيادة انشغال الأب، حيث يشعر الأخ هنا انه رجل ويجب أن تطيعه أخته سواء كانت أصغر منه أو أكبر منه، لأنه يحمل امتيازات كونه الذكر وهي الأنثى، ولذلك يمارس سلطته بنوع من الاستبداد والديكتاتورية، وفي حين إن البنت تسعى للتخلص من كافة الضغوط والقيود، بينما يسعى الشاب لفرض سيطرته على شقيقاته ليشعر في أعماقه بأنه كبر وأصبح رجلاً له كلمة مسموعة، وتزداد الأزمة في تدليل الوالدين لابنهما وتماديه في السلطة، كذلك لاننسى إن كان الولد لديه خبرات سيئة في تعاملاته خارج البيت، لأن في هذه الحالة سيكون متشددا مع شقيقته قاسيا معها من منطلق حرصه على الا تكون مثل الأخريات اللواتي يعرفهن، لذلك كثيرا ما ترفض البنت الإذعان وان اضطرت تحت الضغط فإنها ستفعل ما تريد في الخفاء. لذلك نصيحة للآباء الا يتخلى أحد الوالدين عن مسؤوليته ودوره، ولا يجب أن يتمادى الابن في سلطته ولا يتجاوز حده في ذلك، وإذا تجاوزها يجب ايقافه عند حده، واعطاء البنت حقها بحيث لاتكون ناقمة على الأسرة ككل لعدم تقديرهم لمشاعرها.