بقلم : د. حسن البراري قبل يومين، وفي مؤتمر صحفي جميع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، دق الأخير آخر مسمار في نعش حل الدولتين عندما أعلن وللمرة الأولى بأن بلاده ليست ملتزمة بحل الدولتين وإنما ستدعم أي اتفاق سلام يتوصل إليه الجانبان الإسرائيلي والفلسطيني، ويعرف المراقب جيدا أن موازين القوى السائدة بين الطرفين لا تسمح بالتوصل إلى أي حل سياسي، فإسرائيل هي أقوى بكثير من أن تقدم ما قدمه إيهود باراك في قمة كامب ديفيد لعام 2000 والسلطة الفلسطينية هي أضعف بكثير من أن تقبل بأقل مما قدمه باراك ورفضه الراحل عرفات في ذات القمة. لا يبدو الرئيس دونالد ترامب ملماً بالصراع العربي الإسرائيلي، فالمسالة ربما تتجاوز انحيازه السافر لقوى التوسع داخل المجتمع السياسي الإسرائيلي إذ أظهر المؤتر الصحفي الذي عقده يوم الأربعاء مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن الرئيس ترامب لا يفهم الفرق بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة وكيف يؤثر كل سيناريو على خارطة المنطقة بشكل خاص. فطرح ترامب لموضوع حل الدولة الواحدة بدلا من حل الدولتين يعني مسألة واحدة وهي أن الأرض من البحر المتوسط إلى نهر الأردن ستكون دولة واحدة، لكن هل ستكون دولة لكل مواطنيها (عرباً ويهوداً) أم دولة تحكم فيها الأقلية اليهودية الأكثرية الفلسطينية، أي دولة قائمة على نظام الأبرتهايد؟ الراهن أن اليهود لن يقبلوا بدولة ثنائية القومية وديمقراطية (بسبب العامل الديمجرافي) كما أن الجانب الفلسطيني لن يقبل دولة ثنائية القومية غير ديمقراطية، عندئذ كيف يمكن التوفيق بين مطالب اليهود والفلسطينيين في هذه الحالة وكيف تكون هذه الفكرة وصفة سلام؟!. وحتى نفهم الموقف الإسرائيلي علينا أن نتذكر بأن الإطار العام الذي يحكم مواقف الأحزاب السياسية والتيارت الدينية هو يهودية وديمقراطية الدولة، بمعنى أن إسرائيل ينبغي أن تكون يهودية وديمقراطية وهذا يستلزم الحفاظ على أغلبية كبيرة يهودية حتى يتسنى لليهود الحكم. وهذا يفسر إصرار إسرائيل على طرد الفلسطينيين في حروبها معهم لتضمن أكبر مساحة من الأرض وأقل عدد من السكان. وعلينا أن نتذكر أن موافقة بعض القوى السياسية في إسرائيل على حل الدولتين هو لغايات لا تتعلق بإيمان هذه القوى بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وإنما رغبة في الانفصال عنهم للحفاظ على "نقاء" الدولة. وإذا كان حل الدولتين هو أفضل وسيلة للحفاظ على الإطار العام المشار إليه أعلاه فما هو الحال بعد دفن حل الدولتين؟. إسرائيليا يُطرح خيار آخر غير خيار حل الدولة الواحدة وهو الحل الإقليمي الذي يعني من ضمن ما يعني إشراك الأردن في الحل على أن يتوسع الأردن غرب النهر فيما تبقى من أشلاء الأرض الفلسطينية مقابل ترتيبات أمنية مذلة. ويمكن أن يطلق مفهوم الكونفدرالية كاسم حركي لحقيقة التسليم بتوسع إسرائيل على حساب الأرض الفلسطينية مع التخلص من السكان الفلسطينيين في الوقت ذاته. ومراكز الثنك تانك الإسرائيلية تعج بالدراسات التي تبشر بهذا الحل كبديل لحل الدولتين، وجل الدراسات تبرز حاجة الأردن الماسة للاستثمار ومعالجة مشاكله الاقتصادية وهي أمور ستكون متاحة إن وافق الأردن على التوسع غربا بالاتفاق مع إسرائيل (وحسب شروطها) والسلطة الفلسطينية. بكلمة، ساهمت سذاجة ترامب في كشف المستور وبما كنا نعلمه حقا بأن الجانب الأمريكي ليس ملتزما كما كان يقول بحل الدولتين وأن التحديات قادمة لا محالة تتطلب استراتيجيات فلسطينية وعربية من نوع مختلف.