وسط أجواء روحانية ارتقت بمسامع الجمهور التلمساني إلى أعلى مستويات مقامات السماع الملتزم، وقّعت كل من فرقة الأجيال الصاعدة من غرداية وفرقة العلا العمانية وفرقة السلام المغربية للإنشاد الصوفي. السهرة الرابعة من المهرجان الدولي للسماع الصوفي الذي تتواصل فعالياته إلى يوم 11 من الشهر الجاري بقصر إمامة في تلمسان؛ حيث كانت السهرة الرابعة للمهرجان من توقيع ثلاث فرق عربية، كانت كل منها شعلة وهّاجة في مدح النبي الكريم وذكر الله الحكيم، فكانت البداية صحراوية ميزابية، تَغنّى ضمنها منشدو فرقة الأجيال الصاعدة من غرداية، بمناقب ومكارم رسول البشرية محمد صلى الله عليه وسلم، فأنشدت “يا لائمي في الهوى العذري” و«زاد النبي” و«يا حجرة اوت محمدا” و«يا مالك الملك”.. وأناشيد أخرى سمت بجو السهرة إلى مستوى السماع الملتزم، الذي وإن كان يبتعد كل البعد عن السماع الصوفي إلا أنه يخدم وجهة ترقية الأغنية الملتزمة. وجهة لم تحد عنها فرقة “العلا العمانية” التي غازلت الجمهور التلمساني بأجمل وأرقى قصائد المديح النبوي الخاصة بالتراث العماني، والتي تجاوب معها التلمسانيون الذين توافدوا إلى قصر إمامة بشكل قياسي رغم برودة الطقس، التي تلاشت قسوتها أمام دفء عبارات المحبة والأخوة التي حملتها فرقة العلا بأمانة كبيرة من سلطنة عمان إلى تلمسان، حين أنشدت الفرقة قصيدة “الليلة ليلة في الجزائر”، لتُتبع بعدد من القصائد الدينية في مدح خير البرية على غرار أغنية “بدانا بسم الله” وأغنية “يا من يرى ولا يرى”. من جهتها، استطاعت فرقة السلام المغربية أن توقّع إمضاءها الخاص والمميز على فعاليات السهرة الرابعة من المهرجان الدولي للسماع الصوفي، الذي تُختتم فعالياته سهرة اليوم بقصر إمامة بتلمسان؛ حيث استطاعت فرقة السلام المغربية أن تحمل رسالة سلام واضحة فصيحة للجزائر خاصة والعرب بشكل عام. وعلى هامش السهرة أكد رئيس فرقة السلام المنشد “محمد كامل”، أن مشاركة فرقته في تظاهرة بحجم تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية، بمثابة المشاركة في مدرسة عريقة من مدارس الثقافة، خاصة بعد الورشات التي جمعت مختلف الفرق المشاركة بها بعضها ببعض على هامش المهرجان الدولي للسماع الصوفي، مشيدا بالمستوى العالي الذي انطلق به هذا الأخير، مثنيا على التنظيم الذي اعتبره العنصر الأساس في إنجاح الفعالية الهامة في مغربنا العربي، خاصة وأن هذا الأخير هو بلد الأولياء والصالحين، ويحتاج إلى تدعيم لتراثه اللامادي؛ من خلال استحداث مهرجانات ترسخ الذاكرة وتعرّف بالتاريخ. وبالمناسبة و تكريسا لتقليد سهرات المهرجان، تم تكريم رؤساء الفرق المشاركة ضمن فعاليات السهرة الرابعة من المهرجان من قبل محافظ المهرجان إدريس بوديبة. وأجزم منشد الشارقة ورئيس فرقة العلا العمانية بدر الحارثي، بأن مسابقة “منشد الشارقة” التي كانت تأشيرة مروره عبر العالم العربي، لا ترقى بمستوى الإنشاد العربي، معتبرا البرنامج سابق الذكر بات متكررا، تقليد يفتقر لأسباب الانتشار بعدما فقد شعبيته عربيا، وهو البرنامج الذي حظي خلال طبعته الأولى بنسبة مشاهدة عالية، استقطبت حتى رؤساء الكثير من الدول على غرار الرئيس اليمني علي عبد الله صالح. وفي انتقاد صريح منه لسياسة التحكيم في ذات المسابقة قال محدثنا في تصريح على هامش مشاركته ضمن فعاليات السهرة الرابعة لمهرجان السمع الصوفي في تلمسان، بأن الحكام يركزون على المقامات ويميلون كثيرا للإمكانات الصوتية والاستعراضية أكثر من اهتمامهم بالموشحات، وهو ما يجعلهم، حسبه، يبتعدون كل البعد عن الجو الروحاني والمعنى الأصيل للكلمة، التي هي في الأصل أساس الإنشاد، انتقاد لم يمنع “بدر الحارثي” من الاعتراف بفضل برنامج منشد الشارقة في انتشاره عربيا؛ مشاركته في منشد الشارقة، خاصة أنه حظي بفرصة المشاركة في أول طبعة للمسابقة كممثل لسلطنة عمان؛ حيث كانت المسابقة الأولى من نوعها على المستوى العربي في المجال الإنشادي، وهو ما أكسبه الكثير من تلك التجربة، التي سمحت له بالاحتكاك بمنشدين كبار على غرار المنشد “أبو الجود” و«أبوراتب” و«أحمد أبوخاطر” والعديد من المنشدين الآخرين. من جهة أخرى وفي سياق حديثه عن مشاركته ضمن فعاليات مهرجان السماع الصوفي، أكد رئيس فرقة العلا الفنية بأن هذا المهرجان الذي يقام في إطار تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية، ظاهرة فنية ثقافية حضارية غير طبيعية، تبدأ من حفاوة استقبال الجزائريين لضيوفهم، لتصل إلى مستوى التنظيم، الذي قال عنه محدثنا بأنه تجاوز مستوى تنظيم الكثير من المهرجانات الأوروبية التي شارك فيها على غرار باريس ولندن ودول أخرى، ليؤكد في ذات السياق بأن المهرجان الدولي للسماع الصوفي الذي تحتضنه الجزائري هذه الأيام هو المهرجان الأول ربما عالميا من حيث التنظيم وعدد الفرق المشاركة والأيام والمستوى التقني الذي وفرته محافظة المهرجان، وهو ما أثلج صدور كل المشاركين المحليين والأجانب. وفي رده عن استفسارنا بخصوص نوع السماع الذي أدته فرقة العلا خلال مشاركتها في المهرجان، وضح بدر الحارثي أن ما أدته فرقة العلا الفنية هو نوع من السماع الصوفي وشيء من الإنشاد العماني، الذي يندرج ضمن خانة التراث التقليدي؛ حيث قدّمت الفرقة بعض المقامات التقليدية الخليجية الحجازية التي تؤدَّى في بلاد الحجاز مثل اليمن والسعودية، مضيفا أن الإنشاد مختلف من مكان لآخر في عمان باختلاف الإيقاعات، مشيرا إلى الطابع الجديد الذي بات يميز الإنشاد الجديد بسبب إدخال بعض إيقاعات دخيلة؛ حيث بات التركيز على الإيقاع أكثر من التركيز على الكلمات الهادفة، التي هي المقصد الأول من الإنشاد. وختاما لحديثه توجّه منشد الشارقة ووجه الإنشاد العماني الهادف الفنان “بدر الحارثي”، بانتقاد كل المنشدين العرب، الذين باتوا يتخذون من فرقهم الإنشادية وسيلة لكسب المال ومن خلال الضغط على منظمي المهرجانات، داعيا إياهم إلى التحلي بشيء من الأخلاق، ومؤكدا استعداده للمشاركة ضمن أي تظاهرة في أي مكان في العالم ودون أي مقابل.