بينما كنا منهمكين في نقاشنا العقيم حول أسباب الأزمة المصرية وتقسيمنا كجزائريين إلى إخواني وفلولي وما بينهما، كان عمار سعيداني يدبر أمرا بليل ليسطو على جبهة التحرير الوطني ويعود إلى الواجهة من الباب الخلفي. الأمر كان سيبدو عاديا من وجهة النظر السياسية الجزائرية بمعاييرها الغريبة التي لطالما وصفها بلخادم بالظواهر الصحية، لكن إقدامنا على انتخابات رئاسية السنة المقبلة يجعلنا نقرأ الأحداث بوجهة نظر مختلفة من زاوية معركة التموقع التي تديرها في الخفاء أيادي لا تتدخل بشكل مباشر في المشهد السياسي لكنها تحكم فن "الأخذ بالأسباب" حتى يسير المشهد نحو ما هو مخطط له. ما أعرفه عن سعيداني يعرفه عامة الجزائريين وأقل ما يمكن أن نقوله عن الرجل هو أنه "مشبوه" ويكفي أن تذكر هذا الاسم حتى تثير اشمئزاز من يسمعه. أنا أتحدث هنا عن صورة عامة لشخصية سياسية ولا أريد أن أصلب الرجل وأجزم أن كل ما قيل وكتب عنه حقيقة منزهة، لكن الحقيقة المرة هي أن سعيداني كمسؤول سياسي منبوذ شعبيا وإن كان من يريد أن يضعه على رأس "الأفلان" يأبه للمظاهر، فعليه أن يعرف أن بلخادم أهون على مناضلي "الجبهة" من سعيداني. لقد عودتنا السياسة الجزائرية على الصدمات واللكمات وعودتنا أيضا على اجترار نفس الوجوه في كل مناسبة في سبيل تحقيق التوازن في المنعرجات والتحكم في زمام الأمور حتى تتحقق أهداف سياسية أكبر من سعيداني و"الأفلان". لكن الملفت للانتباه هو تخلي كتاب هذه السيناريوهات عن تزيين الواجهة وجعلها مقبولة لدى عامة الشعب والاهتمام بالمظاهر حتى يبدو ما هو مخطط له عفويا ونابعا عن الإرادة الشعبية أو الحزبية وأصبح اللعب على المكشوف شاء من شاء وأبى من أبى. أخطر من ذلك، أصبحنا اليوم نشهد لمناورات سياسية تخدم أهدافا انتخابية على حساب مستقبل الأحزاب نفسها التي أصبحت مجرد أبواق ترويجية أشبه بوسائل الترفيه تستدعى عند كل استحقاق وتمزق وتتفكك وتتناثر خدمة لمرشح "الإجماع" ثم ترمى إلى ساحة التصدع لتبقى تعاني هكذا طيلة العهدة الانتخابية وخير دليل على ذلك ما يعيشه "الأفلان" من أزمات منذ سنوات. وبشكل أو بآخر، فالحزب العتيد هو المسؤول الأول والأخير عن كل ما يعانيه من أزمات كونه اختار، منذ بداية عهد التعددية، أن يتحول من حزب سياسي إلى آلة انتخابية في خدمة الرياح الموسمية.