مع بداية الستينيات أطلق العالم الكندي مارشال ماكلوهان نظريته الشهيرة المسماة "الحتمية التكنولوجية للمجتمعات" ،وحينها تحدث هذا العالم على أنه من الآن لن نعيش الإنسان مع أخيه الإنسان في عزلة،وزوال ماأسماه بمرحلة "أزمة الاتصال"،وأن شعوب العالم تتجه في المستقبل نحو الوحدة والاندماج ،وسيتحول العالم أو الكرة الأرضية إلى قرية صغيرة يتصل أفرادها بعضهم البعض،وقتما شاءوا،وأينما شاءوا،يمكن التجول في هذه القرية الصغيرة بواسطة النقر على فأرة الكمبيوتر المربوط بالشبكة العنكبوتية،ومع هذه التطورات الحاصلة في ميدان تكنولوجيات الاتصال والوسائط المتعددة،لم يعد الفرد يشكو من شح في المعلومات خاصة مع المواضيع والأحداث الهامة والتي تحتاج إلى مزيد من التفاصيل عنها،حتى إن وقعت في أماكن بعيدة عنا بآلاف الكيلومترات،فمع تكنولوجيات الاتصال استطاع الإنسان أن يعرف مايحدث في أي مكان في الكرة الأرضية ،وهي ميزة لم تكن متاحة في وقت سابق. وفي هذه القرية الصغيرةأعيد النظر في كثير من الأمور المفاهيم خاصة تلك المتعلقة بمفهوم الخبر إذ تحول من حدث وقع أمس إلى حدث يقع الآن ونشاهده الآن،بل تحولنا من مشاهدين للأحداث والأخبار إلى متابعين لها على المباشر،وهكذا أصبح الخبر حسب خبراء الاتصال يقترب كثيرا من كونه سلعة يشبه الخضر والفواكه سريعة التلف بمجرد تداوله في وسائل الإعلام،فدخلت المؤسسات الاعلامية في سباق مع الزمن لنشر الأخبار وإحداث السبق الصحفي،وبرزت في هذا المجال قنوات إخبارية متخصصة في صناعة الأخبار تنقل الحدث فورحدوثه ووقوعه،بالصورة والصوت والحركة والألوان وبطريقة مبهرة للغاية جعلت المشاهد يستمتع بما يراه و يقبل على هذه القنوات. لكن القرية الالكترونية التي تحدث عنها مارشال ماكلوهان في بداية الستينات والتي نعيش فيها، أصبحت محل انتقاد شديد من عديد الباحثين والمختصين في مجال الاتصال!، فحسبهم أنه مع التطورات الحاصلة في المجتعات استمرت هذه القرية في مزيد في التطور والتعقيد حتى انفجرت وتحولت إلى شظايا،فالعالم الآن أقرب إلى أن يكون عبارة عن بناية ضخمةبها طوابق،وكل طابق يحتوي على غرف وشقق يقيم كل فرد في غرفة من الغرف،لكنه لايعرف شيئا عن جاره الذي يسكن بجواره في نفس الطابق ونفس العمارة!. وبتنا أمام مشكل آخر يتعلق ليس "بعزلة الأفراد"!ولكن "بانعزالية الأفراد"فرغم توفر وتنوع وسائل الاتصال بالآخر،إلا أن الأفراد فضلوا التقوقع على أنفسهم ومع وسائل الاتصال والتكنولوجيات المختلفة،وكنتيجة هذا ظهر"مدمنو الانترنت"،" مدمنو الهاتف النقال"،و"كثيفي المشاهدة التلفزيونية" على حسب تعبير العالم الأمريكي وأستاذ الاتصال بجامعة بنسالفيا بالولايات المتحدةالأمريكية"جورج جربنر". فكون الفرد علاقات وطيدة مع وسائل الإعلام،وتخلى عن علاقاته الاجتماعية مع الآخرين ،قابله اعتماد مكثف وتواصل مع هذه الوسائل،فالملاحظ لكثير من الأسر يلحظ عنها نقصا في التواصل الشخصي المباشر،وحل محل هذه العلاقة الوسائط المتعددة، وحتى داخل الأسرة الواحدة قل في كثير منها الحوار والتفاعل وتقاسم مشكلات الحياة،ووجد كل واحد منا نفسه مع وسيلته الخاصة به والمفضلة،بل المحبوبة ،فتقوقع الأب مع الأخبار والتلفزيون،والطفل يقضي معظم وقته في الانترنت،أما البنت فهي مع هاتفها النقال!؟