يردد أهل الفقه والفتوى عبارة «الأمور بمقاصدها» وهي قاعدة فقهية يقول عنها الدكتور صبري عبد الرؤوف استاذ الشريعة بجامعة الأزهر: الأمور جمع أمر وهو لفظ عام يشمل الأفعال والأقوال. ومعنى القاعدة أن أعمال الإنسان وتصرفاته تختلف نتائجها وأحكامها الشرعية التي تترتب عليها باختلاف مقصود الشخص ونيته، لأن القصد هو الميزان الذي توزن به الأعمال وهو المرجع في الحكم عليها من حيث الحل والحرمة والصحة والفساد. والأصل في هذه القاعدة الفقهية «الأمور بمقاصدها» الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى». قال أبو عبيدة «ليس في الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء أجمع ولا أغنى ولا أكثر فائدة منه. أي من هذا الحديث» وقال ابن المهدي: حديث النية يدخل في ثلاثين باباً من العلم. وقال الشافعي يدخل في سبعين باباً. ويعتبر هذا الحديث من الأحاديث الجامعة التي عليها مدار الإسلام، ومعنى الحديث أن كسب العبد يكون بقلبه ولسانه وجوارحه. ويقول النووي: النية هي القصد إلى الشيء والعزيمة على فعله، ويستفاد منه أن الإخلاص في العمل لله تعالى، لأن الإخلاص قوة إيمانية وجهاد للنفس يخلِّصها من جميع المصالح والأهواء الشخصية، فما من قول أو عمل إلا وكان ابتغاء مرضاة الله تعالى، ولا ينتظر المؤمن مقابل ذلك جزاءً ولا شكوراً من سواه. وأول الأعمال التي تبنى على الإخلاص عبادة الله، قال الله تعالى: «فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا» الكهف الآية 110. وقد بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلال هذا الحديث أن الإخلاص في جميع الأعمال هو معيار القبول عند الله تعالى ومهما كانت هذه الأعمال كبيرة وعظيمة فلن تقبل ما دامت غير خالصة لوجه الله. وحتى يقبل الله أعمالنا لابد أن يتوافر فيها أمران، الأول أن تكون موافقة لروح الشريعة الإسلامية. والثاني أن تكون خالصة لوجه الله تعالى، فهذه القاعدة تجري في كثير من الأبواب الفقهية وعليها يتخرج العديد من الفروع حتى أنها تسري على المباحات فتحوِّلها إلى عبادة إذا قصد بها التقوى على العبادة أو التوصل اليها، كالأكل والنوم واكتساب المال، والنكاح إذا قصد به إقامة السنة أو الإعفاف أو تحصيل الولد الصالح وكثرة الأمة. ومن لطائف هذه القاعدة أنه لو وجد شخص لقطة أي شيئاً ضاع من صاحبه فأخذها بقصد حفظها ليردها إلى صاحبها متى ظهر، فإنه يكون أميناً عليها، فلا يضمنها إذا تلفت في يده من غير تعدّ منه ولا تقصير، فإن أخذها بقصد تملكها كان غاصباً، فيضمنها إذا تلفت في يده ولو بلا تعدّ منه ولا تقصير. ومما يتفرع من هذه القاعدة أن العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني؛ فعقد النكاح إذا قصد به إباحة المرأة لمن طلقها ثلاثاً لا يصح، لأن العقد قصد به إباحة المرأة لزوجها السابق ولم يقصد به النكاح الدائم.