أزاحت تكنولوجيات الإعلام والاتصال الحديثة التقاليد الراسخة لدى العائلات المحلية وقضت على (اللمات) العائلية حول مائدة العشاء أو الإفطار أو في أوقات أخرى خارج الأكل، حيث تحوّلت اللقاءات الحميمية بين أفراد العائلات إلى جلسات عبر النت للدردشة على مواقع (الفايس بوك) و(السكايب)، وكذا التواصل عبر الهاتف النقال بدل الالتفاف حول بعضهم البعض وتقاسم مشاكل وأفراح اليوم المعاش لاسيما بعد إعلان متعاملي النقال الثلاثة عن عروض ترويجية خاصة بجميع الأوقات. في ظل تراجع القعدات العائلية وسهرات الخلوة الهاتفية والدردشة على الأنترنت موضة الأجيال الصاعدة التي اتخذت من الوسائل التكنولوجية الحديثة منفذها الوحيد، حيث حل الأنترنت محل لقاءات الشباب في الساحات العمومية والمقاهي كما كان عليه سابقا، وأصبحت مقاهي النت تجمعهم للتواصل مع شرائح المجتمع بمختلف أطيافه وطبقياته، وكثيرا ما تربط لقاءات النت الشباب بالفتيات في جلسات معاكسة فضلا عن إباحة الكلام عن كل شيء ويتم الإنفاق على بناء علاقات عاطفية، ينقصها عقد زواج عن بعد! صغار في دائرة الخطر ومن خلال ما توصلنا إليه فيما يخص هذا الموضوع فقد اكتشفنا أن الجزائر تحصي ما يقارب 3 ملايين منخرط في شبكة (الفايسبوك) محتلة بذلك المرتبة 46 عالميا، حيث توجد نسبة كبيرة من الشباب المنخرطين قدرت ب 60 من المائة إلا أن الخطر يكمن في وجود أكثر من 500 قاصر يتردد على شبكة التواصل الاجتماعي في ظل تحذيرات المختصين من عواقب إبحار الأطفال في عالم النت دون مراقبة الأولياء. لتأخذ مجريات (الفايسبوك) منعطفا آخر ليكون الأساتذة أكبر الضحايا، حيث أصبح التلاميذ يترصدون أساتذتهم على صفحة (الفايسبوك) حيث راح معظم التلاميذ يتسابقون على نشر صور فيديوهات ساخرة عن الأساتذة يتم التقاطها سواء من داخل القسم أو خارجه، فيما لجأ البعض إلى تقنية (الفوتوشوب) لتشويه صور المعلم منهم من حوله إلى حيوان ومنهم من صنع (فيديو هزلي)، فبعدما كان الأستاذ يحظى بقيمته الحقيقية التي تميزها الهيبة والاحترام أصبح اليوم محط سخرية من طرف تلاميذه وطلابه من خلال تحويله إلى نكتة يطلع عليها جل المشتركين بالشبكة. حيث يتواجد عبر صفحات الأطفال المئات من الفيديوهات عن المعلمين وهو الأمر الذي أحرج العديد من الأساتذة ووضعهم في مواضع لا يحسدون عليها حسب ما أفادنا البعض منهم عند سؤالنا إياهم عن الظاهرة، ولعل الأمر المحير الذي أثار استغراب الأساتذة حسب ما أفادتنا به إحدى أساتذة مادة العلوم بالثانوية من خلال قولها (أصبح وضع حال أطفال هذا الجيل ينبئ بالخطر إن لم يتم التحكم في الأمور حتى لا ينغمس الأطفال وراء أشياء قد تؤذي مستقبلهم بعدما أصبح التلاميذ ينسجون قصصا ويتوهمون بحدوث حريق في المدرسة أو حتى وفاة أستاذ، ومنهم من حوّل المدرسة إلى ساحة معركة خيالية كما أن العديد منهم أصبح يقوم بنشر إجاباتهم على ورقة الامتحان وبالنسبة لي فإنني أعتبر هذا دليلا قاطعا على الدور السلبي الذي لعبه (الفايسبوك) في نشر الثقافة العدوانية في نفسية الطفل). تقدم ولكن.. إخفاق مدرسي وفي نفس السياق تضيف إحدى الأمهات رأيها في الموضوع بقولها: (منذ أن دخل (الأنترنت) إلى بيتنا حتى انقلبت حياة ابني عمر البالغ من العمر تسع سنوات رأسا على عقب، لذا فأنا في حيرة من أمري على ابني بسبب تعامله مع الأنترنت، فقد أصبح يصحو بصعوبة عند إيقاظه من أجل الذهاب إلى المدرسة، إلى جانب تراجع مستواه الدراسي بعد أن كان متفوقا خلال الأعوام الماضية وذلك لأنه يقضي ساعات طويلة في اللعب على الأنترنت، كما تفطنت إلى دخوله لمواقع أخرى غير مخصصة للأطفال وهو الأمر الذي دفعني إلى قطع هذه الخدمة من المنزل إلا أنني فوجئت بأنه سلك طريقا آخر لم أكن أتوقعه، إذ بدأ بالدخول إلى أحد قاعات الأنترنت القريبة من منزلنا برفقة صديق له ليمارس هناك هواياته التي أدمن عليها). في هذا الشأن نجد أن العائلات الجزائرية قد تنازلت وتخلت عن دورها الذي تلعبه في توجيه ومراقبة الأطفال أو حتى الكبار منهم بسبب انشغالات الحياة ومتطلباتها اللامتناهية، وتحولت الجلسات العائلية مع الأهل والأحباب تحت سقف واحد إلى حلم من الأحلام لدى الكثير من العائلات التي تخلت عنها تحت ضغوطات لا يعلمها إلا أصحابها ليجد الأغلبية ملذتهم وراحتهم في التواصل عبر النت، حيث يجتمع فيها الأهل والأصحاب و(العشاق) عن بعد، يتواصلون عبر مواقع الدردشة (كالفايسبوك) و(السكايب) الأكثر تداولا لدى الجزائريين حيث يتعدى عدد المنخرطين في الفايسبوك المليون فرد، حسب إحصائيات رسمية أفادنا بها أهل الاختصاص، ويجتمع هؤلاء على عدة مواضيع يتم طرحها وتناولها في لقاءات حميمية، ويتناقش الشباب في مواضيع الكره، الحب، العمل، والعلاقات العاطفية.. أما النساء فحديثهن يكثر حول الأطباق اليومية والتدابير المنزلية وحول الأطفال والزوج، أي ما يلم بجوانب الحياة الأسرية، فيما تلتقي الفتيات عبر النت حول مواضيع تصب في مجملها حول مستقبلهن العاطفي، في حين يتناول المراهقون في دردشاتهم أمور سنهم وما يحدث في مدارسهم. ولا يعير أغلبية هؤلاء أدنى اهتمام للمواضيع العلمية وأمور الدين، بل يرتكز اهتمامهم على الأمور الدنيوية، وتبقى مواضيع التعلم والتفقه في الدين من اهتمامات فئة قليلة. أمراض نفسية سببها الإدمان وأثناء خرجتنا التي قادتنا إلى أحد شوارع العاصمة بحثنا عن الأسباب الرئيسية التي أدت إلى النفور العائلي والإدمان على شبكة الأنترنيت والتواصل بالهاتف النقال أجابنا (حمزة) بقوله: (إن العروض الترويجية التي أعلن عنها متعاملو النقال الثلاثة (نجمة، جازي، موبيليس) هي السبب في تواصل الشباب والفتيات على وجه الخصوص لساعات تستمر إلى غاية الثلث الأخير من الليل، وقد تتواصل السهرة إلى الصباح عبر الهاتف النقال أو عبر شبكة الأنترنيت في صفحات الفايسبوك والسكايب). وأمام هذا الغزو أوجب ضرورة وقاية الطفل الصغير قبل المواطن الكبير بصفة خاصة من أخطار (الفايس) وذلك بتوعية الأولياء إلى كيفية استخدام الأنترنيت لتكون لديهم القدرة على فرض قيود وضوابط على استعمال الطفل (الفايسبوك) ومراقبة سلوك الأطفال داخل المنزل والمواقع التي يتعامل معها وتفكيره أثناء استخدام الأنترنيت مع ضرورة تواجد أحد الأبوين أثناء استخدام الطفل لها، وكذا توفير الوعي الديني والتربية السليمة، حيث يكون هو الرقيب على نفسه عندما يتصفح مواقع الأنترنيت إلى جانب تشجيع الطفل على ممارسة بعض الهوايات مثل الرياضة التي يحبها دون تهميش تنمية العلاقات الاجتماعية للطفل من خلال تشجيعه على تكوين صدقات حقيقية والخروج مع الأصدقاء. لأن الواقع المعاش الذي أصبحنا نعيشه في الجزائر يفرض عليا التحرك بعدما تم إحصاء حوالي 500 قاصرا جزائريا يبحرون على شبكة الفايسبوك، بالمقابل نجد 26 من المائة من الذين تقل أعمارهم عن 24 سنة يداومون على شبكة التواصل الاجتماعي وبنسبة أقل الذين يتجاوزون 35 سنة في دليل واضح على أن (الفايسبوك) يستقطب فئة الشباب أكثر من الفئات الأخرى إلا أن العديد من المختصين بهذا المجال لم يتوصلوا إلى التأثير الحقيقي للشبكة وذلك بسبب جهل ماذا يجري بالضبط في هذه المواقع خاصة القصر باعتبار هذه الفئة أكثر عرضة للتأثر بقيم وأفكار تخل بالهوية الجزائرية، أما فيما يخص استخدام شبكة الأنترنيت من الرجال وأن 80 من المائة يبحرون قصد البحث عن المعلومات باستخدام محركات البحث، كما يبحرون في 6000 موقع معظمها في الخارج وأن 22 من المائة من متصفحي الأنترنيت يريدون ربط اتصالات ذات طابع تجاري. حتى نتجنب إدمان الجيل الصاعد على الأنترنت وحتى لا تنتهي بشكل مأساوي كما هو الحال مع المدمنين على المخدرات والكحول لابد من توعية أكثر لأن الإدمان على الانترنت يمثل أحد مظاهر إشكالات الشخصية وحتى نتجنب مرحلة الانتقال إلى عالم الأمراض والاضطرابات النفسية مستقبلا.