لفت العاهل المغربي هذه المرة انتباه جل المراقبين بحضوره شخصيا مراسيم حفل تنصيب الرئيس المالي الجديد إبراهيم بوبكر كايتا التي جرت بملعب 26 مارس بالعاصمة باماكو، والمعروف انه في السابق كان يفضل إرسال من ينوب عنه في أي نشاطات رسمية على الصعيد القاري، وهذا الاهتمام بوجهة مالي لها ما يبررها، وتساؤلات المراقبين لها أيضا ما يبررها لعدة أساب أهممها الوفد الحكومي والعسكري الهام الذي رافق الملك محمد السادس، والخطاب الذي ألقاه والقرارات التي اتخذها لتعزيز العلاقات بين المغرب ومالي، وقد قرر البقاء لأيام أخرى حتى بعد مغادرة كل الوفود وهو ما يوحي بان الرباط تبحث عن لعب عدد من الأوراق التي بحوزتها ليس لاستعادة مكانة الدبلوماسية المغربية في القارة السمراء عامة وفي منطقة الساحل جنوب الصحراء خاصة وإنما أيضا لتضييق الخناق على الجزائر من جهة الجنوب ويكفي للتأكد من ذلك العودة إلى المناورات التي قامت بها الرباط منذ اندلاع الأزمة في مالي. قد يبدو للبعض أننا نعطي لهذا التوجه المغربي أكثر مما يستح ويقول البعض الأخر أن تفسير التحركات المغربية بهذا الشكل غير واقعي، لكن هناك شواهد كثيرة في تحركات الآلة الدبلوماسية المغربية وحتى في الخطاب الذي ألقاه العاهل المغربي بباماكو ما يؤكد الاستنتاجات التي تقول بأن هم الرباط الأول والأخير هو من جهة لكسب تأييد باماكو لأطروحاتها الاستعمارية في الصحراء الغربية، ومن جهة ثانية تضييق الخناق عل الجزائر على اعتبار أن مالي كما النيجر يعتبران بمثابة بوابتان للجزائر نحو أعماق القارة السمراء. محمد السادس تحرك صوب مالي بوفد ضم على الخصوص الأمير مولاي إسماعيل، والمستشارين الطيب الفاسي الفهري وفؤاد عالي الهمة، ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق، والجنرال دوكوردارمي عبد العزيز بناني المفتش العام للقوات المسلحة الملكية قائد المنطقة الجنوبية، والجنرال دوبريغاد علي عبروق مفتش مصلحة الصحة العسكرية للقوات المسلحة الملكية، وتم خلال الإعلان عن مساعدات لمالي من بينها مستشفى عسكري ميداني بباماكو وتكوين 500 إمام مالي بالمغرب خلال السنوات المقبلة، وهذه المساعدات اعتبرها محمد السادس مدخل المملكة لإعانة مالي على تجاوز أزمتها تسمح في اعتقاده بوضع المغرب في خانة الدول التي تبني في مقابل ما اسماه بالدول التي تخرب، ولا ندري من هي الدول التي يقصدها العاهل المغربي ويصفها بالمخربة، وبالطبع هو لا يقصد فرنسا حليفة المغرب والمؤيد لسياساتها العدوانية في الصحراء علما أن فرنسوا هولاند حظر حفل تنصيب الرئيس المالي الجديد باعتباره »مخلص مالي من شرور القاعدة«. ولما يكتب محمد ضريف، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، والذي يعتبر ملجأ بالنسبة للعديد من الصحف الجزائرية التي تقدمه بصفته محلل سياسي أو خبير مختص في قضايا الإرهاب، أن الجزائر »حاولت الانفراد بالعلاقة مع مالي وعملت جاهدة لإقصاء المغرب، وفشلت في ذلك لأن المملكة أظهرت، من خلال مساهمتها المميزة في حل الأزمة المالية، أنها لاعب رئيسي في المعادلة الإفريقية.« تتضح الصورة أكثر وتتجلى الأهداف المغربية من خلال التركيز على مالي خصوصا في هذا الظرف بالذات. ويبدو أن الرباط تحاول جاهدة الاستثمار في الوضع الذي يعيشه مالي في الفترة الأخيرة، والصعوبات التي واجهتها الجزائر للتعامل مع الوضع في مالي، رغم ما بذلته من جهد لمساعدة هذا البلد لتحريك عجلة التنمية، وتجاوز محنته والتخلص من المجموعات المتطرفة التي سيطرت على شماله لأشهر طويلة، ولا يمكن أن ننسى أنه في وقت الذي كانت فيه الرباط تعلن رسميا دعمها لوحدة مالي كانت المخابرات المغربية تلعب بذيلها في شمال هذا البلد تحت غطاء الحركة الأمازيغية المغربية لإقناع حركات الأزواد بالنهج الانفصالي لأن ميلاد دولة للتوارق في شمال مالي سوف يشكل كارثة على أمن واستقرار الجزائر إذا انتقلت عدوى المطالب الانفصالية للتوارق إليها، ولقد حاول المغرب معاكسة الجزائر في شمال مالي وإفشال سياساتها في المنطقة في محاولة منه لدخول معركة المواجهة مع القاعدة في دول الساحل وفرض نفسه في أي تحالفات أمنية وعسكرية خلافا لقناعة الجزائر القائمة على معطى واقعي يقول بأن المغرب لا يمكن أن يكون ضمن أي تحالفات خاصة بدول الساحل أو دول الميدان فالجغرافية لا تسمح له بلعب هذا الدور.