المؤسسات التربوية في فرنسا لا تدرس اللغات الأجنبية إلا في المرحلة المتوسطة، و80 بالمائة من مؤسسات التعليم العالي في فرنسا تعتمد اللغة الإنجليزية كلغة تدريس، و 90 بالمائة من الاختراعات العلمية تأتي من الدول الناطقة بالإنجليزية. هذه الأرقام أصر وزير التربية أبو بكر بن بوزيد على ذكرها في العرض الذي قدمه أمام لجنة التربية بالمجلس الشعب الوطني أمس، وقبل هذا كان قد حث المدارس الخاصة على اعتماد اللغة الإنجليزية كلغة أساسية بحكم المكانة التي تحتلها كلغة العلم الأولى في هذا العصر، وفي الحالتين لم يشر الوزير إلى أي نية من جانب وزارته والهيئات الرسمية في الجزائر إلى إمكانية إعادة النظر في الخيارات التي تم اعتمادها في تعليم اللغات الأجنبية في الجزائر، ومن الغريب حقا أن يصر وزير التربية على التذكير بهذه الحقائق في حين أن المدرسة التي يشرف عليها تتجاهل هذه الحقائق وتصر على السير في الاتجاه لحركة سير التاريخ والعصر والعلم. القراءة السياسية لتصريحات بن بوزيد قد تحيلنا إلى الحديث عن الضغط الذي يمارسه لوبي في دواليب السلطة من أجل التمكين للغة الفرنسية على خلفيات إيديولوجية تتعلق بالولاء الشخصي لفرنسا وثقافتها، وهنا تحضرنا حادثة الانقلاب الذي دبر للإطاحة بوزير التربية الأسبق علي بن محمد الذي تجرأ على طرح فكرة منح أولياء التلاميذ حق اختيار اللغة الأجنبية التي يدرسها التلاميذ إن كانت الفرنسية أو الانجليزية، وقد تبين فيما بعد أن الأمر لم يكن يتعلق بضرب مكانة العربية في الجزائر بل بحماية اللغة الفرنسية من أي منافسة في ميادين العلم والثقافة رغم أن المعركة حسمت منذ أن أصبحت الإنجليزية هي اللغة الرسمية في الولاياتالمتحدةالأمريكية. ربما نكون أمام استغاثة مقنعة من جانب وزير التربية الذي يكون قد واجه مقاومة من قبل حماة الفرنسية في الجزائر، لكن المشكلة هي بمن يستغيث الوزير؟ فالأصل في الأشياء هو أن يستغيث التلاميذ وأولياؤهم بالوزير من أجل إنقاذ مستقبل المدرسة والبلاد من هذه السيطرة غير المبررة للغة الفرنسية التي اقتنع أهلها بأنها لم تعد قادرة على استيعاب علوم العصر. ورغم كل شيء لا يمكن أن نغفل احتمالا آخر قد ترجحه التجارب السابقة وهو أن تكون تصريحات مجرد كلام موجه للاستهلاك الإعلامي لن تتبعه أي خطوات عملية لتصحيح وضع معيب.