أحيت الجزائر على غرار دول العالم اليوم العالمي لمرض الزهايمر، هذا الوافد الجديد الذي يضرب ذاكرة المسنين في صمت، فيصيبها بالفشل المخي، بات يبسط سطوته على آلاف المسنين في الجزائر لأسباب تتعلق بالضغوط النفسية والاجتماعية، وفي ظل غياب إحصائيات دقيقة عن المصابين بالزهايمر في الجزائر، تؤكد المصادر الصحية للسنة الرابعة على التوالي أنهم قرابة 100 ألف مصاب. دقت آخر إحصائيات الجمعية الجزائرية لأمراض وطب الأعصاب ناقوس الخطر بكشفها عن احتمال إصابة مليوني شخص ممن تفوق أعمارهم ال60 عاما بالزهايمر، في ظل غياب المتابعة الصحية اللازمة وفي الوقت المناسب بحسب سجلات استقبالات المستشفيات والرقابة الطبية. في حين ذكر تقرير منظمة الصحة العالمية بمناسبة إحياء اليوم العالمي للمرض أن عدد مرضى الزهايمر يبلغ اليوم 6,35 مليون مريض في العالم، وفى فرنسا بلغ عدد المرضى 850 ألف حالة، مشيرا إلى أن الزهايمر بصفة عامة يصيب المرأة أكثر من الرجل وهو السبب الرابع للوفاة في الدول المتقدمة التي يرتفع فيها معدل الحياة, وتشير دراسة حديثة إلى أن عدد الأشخاص الذين يعانون من الزهايمر ارتفع بنسبة 22 بالمائة خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة ليصل إلى 44 مليونا، وجاء في تقرير »الزهايمر ديزيز إنترناشونال« أن العدد سيزداد ثلاث مرات بحلول عام 2050 ليصبح عدد المصابين بالزهايمر 135 مليونا تقريبا في العالم 16 مليونا منهم في أوروبا الغربية وأن أغلبهم من النساء. معاناة الأهل تفوق معاناة المرضى وهو نفس ما ذهب إليه البروفيسور اسماعيل داودي، الذي صرح على هامش مؤتمر علمي عقد مؤخرا بالجزائر، أن داء »الزهايمر« يمس وبصفة كبيرة الأشخاص كبار السن، مشيرا إلا أن النساء أكثر تعرضا للإصابة من الرجال، مشيرا إلى أن الأشخاص المصابين بارتفاع الضغط الشرياني والسكري و الكولسترول هم الأكثر عرضة للإصابة ب»الزهايمر« من غيرهم، مؤكدا أهمية الوقاية من المرض والتي تتمثل في تكثيف عمليات التوعية، وكذلك في التغذية التي تساعد في التصدي للداء، لاسيما الغداء الغني ب »الأوميجا 3« وأطباق دول البلدان المطلة على حوض البحر المتوسط والمتمثلة في الأسماك وزيت الزيتون. تنسى اسمها واسم أبنائها ولا تستطيع التعرف على أقرب المقربين لها، تضع مفتاح الشقة في الثلاجة، ولا تعرف كيف ترتدي ملابسها، ويجتاحها الغضب بصفة مفاجئة فيتحول سلوكها من الهدوء إلى العدوانية فتصيح في وجه أهلها مطالبة بخروجهم من بيتها، هكذا تصف فتيحة ما يحدث لوالدتها السبعينية التي بدأت ذاكرتها تتدهور شيئا فشيئا إلى أن صارت لا تتعرف على صورتها في المرآة ولو صادف وشاهدت نفسها على غفلة تصدم وتصرخ معتقدة أنها شخص آخر منفصل عنها. في البداية تقول فتيحة» كل أفراد الأسرة لم يتمكنوا من تشخيص ما يحدث لها، فاعتبروا ذلك نسيانا طبيعيا بسبب تقدمها في السن، في حين قال البعض الآخر بأنه خرف الشيخوخة الذي أصابها تماما كما اصاب والدتها وهي في هذا العمر، لكن بعد استشارة الطبيب تبين أنها تعاني من مرض الزهايمر«. وتضيف فتيحة أنها تركت بيتها وأسرتها للقيام برعاية أمها، زلأنها أصبحت كطفلة، لا تعرف ما تريد، وفقدت القدرة على الإدراك وصار بقائها لوحدها فيه خطر على حياتها. وإذا كانت والدة فتيحة قد وجدت في ابنتها الكفيلة التي ردت لها الفضل وهي في هذا الوضع، فهناك العديد من المرضى من لا يجدون الرعاية اللازمة فيزج بهم أبنائهم في مراكز الدولة أو يهملونهم فيموتون بسبب الإهمال والتقصير. كما يتعرض الكثير من المرضى في مجتمعنا للأسف إلى سوء المعاملة من طرف الأبناء أو زالكناتز ويصل الأمر ببعضهم إلى حد ممارسة الضرب والربط والسجن. أما نورة التي ضحت بشبابها في سبيل رعاية والدتها المصابة بالزهايمر منذ ست سنوات:» لقد تخلى كل إخوتي عن دورهم تجاه والدتي وهذا ما يؤلمني فلا أحد يساعدني في رعايتها كل ما يفعلونه هو إعطاءنا مصروف البيت والعلاج بعد أن اضطررت إلى ترك عملي في سبيل رعاية والدتي. زوجات إخوتي يرفضن حتى استضافتنا في بيوتهم حتى لا يضطروا لتحمل والدتي وأنا لا ألومهم بل أعاتب إخوتي الذين لم يتذكروا أفضالها عليهم. أكثر ما يرهقني اليوم بعد أن تطور المرض عندها إلى درجات متقدمة هو مخاوفي من أن تضر نفسها وهذا وارد جدا«. أما شفيق الذي يتعايش مع مرض والدته منذ ثلاث سنوات فقال:»بدأت معاناة والدتي من مرض الزهايمر بالتدريج وببطء، ففي البداية بدأت بفقدان بسيط في الذاكرة وباتت تنسى الأحداث القريبة وبعض أسماء الأشخاص المقربين و أسماء الأشياء والأماكن، ثم بدأ المرض يتطور تدريجياً بحيث أصبحت الأعراض أكثر صعوبة فصارت تنسى كيفية القيام ببعض الأعمال البسيطة مثل غسل الأسنان أو تمشيط الشعر ولبس الثياب وغيرها من الأمور الاعتيادية التي يقوم بها الشخص بصفة آلية« ثم بدأت تواجه مشاكل في اللغة وتنسى بعض الكلمات البسيطة ثم فقدت الإحساس بالوقت والمكان بدأت تتوه في الشارع الذي نقيم فيه منذ أكثر من 35 سنة.ولا تعرف كيف تتصل إلى المنزل. كما فقدت القدرة على الحكم على الأشياء فبدأت تلبس ملابس ثقيلة في الصيف وتخطئ في وضع الأشياء في أماكنها المعروفة فكم من مرة وضعت المكواة في الثلاجة-. يضيف- »نصحني الأهل بالزواج حتى تساعدني الزوجة في رعاية والدتي لكنني بفعل تعاملي مع المرض عن قرب أدرك بأن من الصعب جدا على أي كان أن يتحمل إذا لم يكن المريض قريبا له لذا لا أريد أن أظلم أحدا معي« نقص كبير في أدوية الزهايمر يشتكي أغلب أغلب مرضى الزهايمر في الجزائر من نقص الأدوية الفعالة في التخفيف من أعراض الزهايمر وهو ما أكده البروفيسور أحمد مصمودي اختصاصي في جراحة الاعصاب بمستشفى باب الوادي، الذي دعا على هامش مؤتمر طبي حول المرض بضرورة التكفل التام بهؤلاء المرضى، معتبرا أنه وحتى وإن كانت هناك عدة أدوية لعلاج هذا المرض إلا أن الجزائر لا يصلها سوى دواء واحد لديه بعض الفعالية، إلا أنه غير كاف بالنظر الى الضرورة الملحة لعلاج هؤلاء المرضى. كما يرى مختصون نفسانيون بضرورة توفير البيئة الهادئة للمرضى و تهيئة المناخ الذي يعيش فيه مريض الزهايمر ومنها أن يكون المنزل مألوفاً وآمناً وإزالة كافة الأشياء التي يمكن للمريض أن يصطدم بها أثناء تحركاته داخل المنزل، بالإضافة إلى تجنب حدوث ضوضاء وإحكام إغلاق الدواليب أو الأدراج التي تحتوي على أدوية أو بنادق أو أسلحة أو مواد سامة أو آلات حادة حتى لا تكون سهلة لكي يتعرض لها مريض الزهايمر. ووجوب عدم الغفلة لأن مريض الزهايمر يبحث عن شخص يفهمه ويحاول أن يساعده في بناء شخصيته التي يشعر أنه فقدها، ومن هنا فإن الجو المنزلي الهادئ قليل المشاكل يساعد مريض الزهايمر على الهدوء والراحة النفسية والتكيف مع الوضع الجديد.