الفساد الذي أضحى حديث الصحافة الوطنية وأحيانا الدولية، هو في الواقع هاجس العالم بأسره، فليس هناك دولة واحدة بمنأى عن الفساد ولم تقع تحت قبضة المفسدين. المشكلة بالنسبة إلينا أن الفساد يصعد إلى الواجهة بقوة وفي وقت غير متوقع، وتتكلم الصحافة عن " حجم " غير معقول يقدر بالملايير الممليرة، وليس في شركة واحدة بل في عديد الشركات، والأخطر أنه ليس في شركات عادية بل حتى في شركات يتوقف عليها مصير الجزائريين جميعا بمن فيهم أولائك الذين لم يولدوا بعد. إذا لم يكن الكشف عن الفساد والمفسدين في الجزائر عبارة عن تصفية حسابات بين مختلف العصب المكونة للنظام ، فإن ما يحدث حاليا يعد توجها إيجابيا، إذ لابد للدولة أن تضرب بيد من حديد كل من يتلاعب بمصير الأمة وبالمال العام. على أية حال ، وزير الداخلية نفى أن تكون مختلف عمليات التحقيق عبارة عن " حملة أيادي نظيفة جديدة " ، مثلما كان قد حدث مع إطارات عديدة في سنوات سابقة ، لكن ليس مستبعدا أن تكون الدولة قد استلت سيف الحجاج، الذي هدد وتوعد به بوتفليقة منذ وصوله إلى الحكم عام 1999. إن الفساد بالشكل الذي تتحدث عنه الصحافة يعد مأساة حقيقية، وهو ما يستدعي البحث في أسبابه أولا، بداية من طرق التعيين في المناصب، إلى آليات الرقابة، ومدة الرقابة. فالرقابة تبدو غائبة في الجزائر، على الأقل من طرف الصحافة التي يتعين عليها القيام بوظيفة " الرقابة الإجتماعية " أي تكشف عيوب التسيير والمتسببين فيها أيضا، مرورا بالبرلمان الذي يبدو دور الرقابة فيه غير فعال بالشكل الذي يجعل نواب الشعب يستطيعون مراقبة الكيفية التي تدار بها أموال الشعب. وفضلا عن ذلك، لابد من وجود رقابة دورية، فليس كل عشر سنوات نقرأ ملفات عن مئات الصفقات المشبوهة ومئات الملايير المنهوبة .. فأين كانت الرقابة عندما كان المفسدون الفاسدون ينهبون أموال الأمة ؟ إن الرقابة يجب أن تكون دورية ومستمرة بالشهر، بالثلاثة أشهر، بالستة وبالسنة .. وتجنبا لأي " عطل " في مهمة الرقيب، ينبغي تنويع " المراقبين " .. بمعنى مراقبة المراقبين أيضا، وإذا كان لابد من مراقبة مراقبي المراقبين فلنفعل حماية لأموال الشعب .