استغلت فرنسا تخليد ذكرى هجمات ال 11 سبتمبر 2001 على الولاياتالمتحدةالأمريكية لتعلن على لسان المسؤول الأول على جهاز مكافحة التجسس برنارد سكارسيني أن هناك خطر غير مسبوق للتعرض لهجمات إرهابية في المستقبل، معتبرا بأن درجة الخطر هي شبيهة بتلك التي عرفتها فرنسا سنة 95 ، ويتزامن هذا التصريح مع تفاقم نشاط خلايا »القاعدة« بمنطقة الساحل الصحراوي التي تحولت إلى ساحة حرب على الإرهاب الدولي، وسط أجواء تطبعها الشكوك حول أهداف باريس وخلفيات سعيها المتواصل لتوسيع نفوذها الأمني والعسكري بمنطقة مرشحة لكل أصناف التوتر. كشف المسؤول الأول على جهاز مكافحة التجسس في الاستخبارات الفرنسية لصحيفة »لو جورنال دو ديمانش« أن خطر حصول هجوم إرهابي على الأراضي الفرنسية »لم يكن بمثل هذه الدرجة منذ سنوات طويلة«، وهو ما يعني بان الأجهزة الأمنية المتخصصة، ناهيك عن الدوائر السياسية في باريس تأخذ بمحمل الجد كل التهديدات التي صدرت عن خلايا تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، خاصة تلك التي كشف عنها التنظيم الإرهابي في المرحلة الأخيرة على خلفية العملية العسكرية المشتركة بين وحدات عسكرية فرنسية وموريتانية بشمال مالي والتي انتهت بمقتل ستة من عناصر جماعة أبو زيد التابعة لإمارة الصحراء. وأكد برنارد سكارسيني في حديث خص به الصحيفة الفرنسية بأن »تاريخ فرنسا كدولة استعمارية في شمال أفريقيا ووجودها العسكري في أفغانستان واقتراح إصدار تشريع يهدف إلى منع ارتداء النقاب في الأماكن العامة كلها تجعل فرنسا هدفاً أساسياً لبعض الجماعات الإسلامية المتشددة«، وهو ما يؤكد مجددا بأن المسؤولين على ملف مكافحة الإرهاب بباريس يحسبون ألف حساب لكل القرارات المعادية للمسلمين في فرنسا والتي اتخذها الرئيس ساركوزي، ويعترفون بصحة التحاليل الكثيرة التي سبق لها أن حذرت من النتائج السلبية لمثل هذه القرارات على الوضع الأمني داخل فرنسا من خلال ظهور ردات فعل متطرفة بفعل توسع دائرة الاسلاموفوبيا بفرنسا، يشار أيضا إلى أنه من المقرر أن يصوّت مجلس الشيوخ الفرنسي الأسبوع المقبل على قانون يمنع ارتداء البرقع في الأماكن العامة في فرنسا بعدما نال القانون موافقة غالبية من نواب المجلس الوطني »البرلمان الفرنسي« في جويلية الماضي. وبحسب المسؤول الأول على دائرة مكافحة التجسس في المخابرات الفرنسية فإن »خطر وقوع هجوم الآن هو على الدرجة ذاتها لعام 1995 قبل بدء التفجيرات الدموية التي استهدفت محطات المترو في باريس، واستطرد المسؤول الأمني الفرنسي في نفس السياق : »هناك دواعٍ للخوف، التهديد لم يكن على هذا المستوى العالي مثلما هو اليوم«، وكشف أيضا : »نُحبط في المعدل (مخططين) لهجومين إثنين في كل سنة، ولكن سيأتي يوم ونتلقى ضربة«، وواصل سكارسيني تحذيراته بالقول أن »التهديد له ثلاثة أبعاد: من الفرع المغاربي لتنظيم القاعدة الذي يضم جماعة جزائرية سبق لها أن استهدفت مصالح فرنسا في المنطقة في السابق، ومن راديكاليين فرنسيين اعتنقوا الإسلام، ومن مواطنين تلقوا تدريبات لدى جماعات في أفغانستان واليمن والصومال، مضيفا بأنه »يمكن أن يحصل أي من هذه السيناريوهات«. ويبدو أن فرنسا تتخوف بدرجة أكبر من تحرك خلايا إرهابية نائمة على أراضيها لتنفيذ هجمات انتحارية داخل التراب الفرنسي، بالتوازي مع اعتداءات قد تستهدف رعاياها ومصالحها بمنطقة الساحل الصحراوي التي تعتبر منطقة يغلب عليها النفوذ السياسي والاقتصادي الفرنسي، علما أن فرنسا لها تجربة مريرة مع الاعتداءات الإرهابية خاصة خلال اعتداءات مترو باريس في سنة 95 والعمليات الدامية التي نفذتها عناصر الجماعة الإسلامية المسلحة » الجيا« خلال تلك الفترة. وكان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قد أكد بان فرنسا هي في حرب مفتوحة على تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، وأنها على أتم الاستعداد لتقديم ما يلزم من مساعدات لدول الساحل الصحراوي لمواجهة تهديدات المجموعات الإرهابية بالمنطقة، كما أنه سبق لتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، أن وجه تهديدات لفرنسا، بعد أسابيع قليلة من إعلانه إعدام الرهينة الفرنسي ميشال جيرمانو، وتضمن بيان نسب إلى أبو انس الشنقيطي احد قادة التنظيم الإرهابي الذي يقوده عبد الملك درودكال، المكنى أبو مصعب عبد الودود، تهديدات بالانتقام من فرنسا على خلفية عملية مشتركة فرنسية موريتانية نفذت في 22 جويلية الماضي ضد موقع لتنظيم القاعدة بشمال مالي، كان هدفها تحرير ميشيل جيرمانو، وانتهت بمقتل ستة عناصر من جماعة أبو زيد، تهديد مباشر لنيكولا ساركوزي، الذي وصفه ب»عدو الله« ، مشيرا إلى انه فتح باب البلاء على بلده، ودعا البيان القبائل التي ينتمي القتلى إليها إلى أن يثأروا ممن اسماهم ب » الخونة المرتدين أبناء وأعوان فرنسا النصرانية«. ولا يستبعد جل المتتبعين للشأن الأمني أن يسعى تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي إلى ضرب أهداف فرنسية بالساحل الصحراوي أو بمنطقة المغرب العربي، وإن كان القيام بعمليات ضد مصالح أجنبية بالجزائر أو المغرب أو حتى تونس قد أصبح صعب المنال بفعل العمليات الاستباقية التي تقوم بها الأجهزة الأمنية في هذه البلدان، علما أن هناك عمل مضني تقوم به الأجهزة الأمنية في الجزائر والتي أدت إلى إضعاف التنظيم الإرهابي وشل نشاطه ومحاصرة معاقله والقضاء على العديد من رؤوسه الخطيرة، فضلا عن تفكيك العديد من خلايا الدعم والقضاء على أخطر الخلايا الانتحارية. لكن ومن جهة أخرى يرى بعض المراقبين أن التحذيرات الفرنسية من احتمال التعرض لهجمات إرهابية فيها الكثير من المبالغة، وتندرج حسب هؤلاء ضمن نطاق استغلال الخطر الإرهابي واللعب بورقة »القاعدة« لتحقيق أهداف أخرى سياسية واقتصادية بحكم المصالح الفرنسية الكبيرة بمنطقة الساحل الصحراوي التي تنام على ثروات هائلة من النفط واليورانيوم، ووجد هذا التحليل مبرراته في الإستراتيجية المتبعة من قبل باريس في مجال مكافحة الإرهاب والتي تعتمد أساسا على الدفع ببعض أنظمة المنطقة إلى التعاطي مع المجموعات الإرهابية والقبول دون تردد بتواجد امني وعسكري فرنسي بالمنطقة.