وقف في هذا الصباح عند واجهة مكتبة »القرطاسية« بشارع »عميروش« بالعاصمة..راح يتأمل الكتب والمجلات التي تزيّن الواجهة عسى أن يدفع بزبون أو زبونة للدخول، وربما اقتناء شيء يصنع المعنى ويبدّد صقيع هذه الأيام الرمادية في هذا البلد منذ زمن بعيد. كان ينتظر صاحبه منذ دقائق، وكعادة مواعيد الجزائريين غير الدقيقة، حاول ربح الوقت بتأمل بعض العناوين المصفوفة بطريقة جيدة. ملّ بسرعة إذ لم يكن يرغب في اقتناء أي كتاب مادام »يصبّر« نفسه بعشرات العناوين التي اقتناها من الطبعة الأخيرة لصالون الكتاب قبل أشهر.. مدّ قامته جيدا وتنحى جانبا بانتظار صاحبه بينما راح الناس يمرون أمامه جيئة وذهابا.. نظر إلى ساعته وما إن رفع بصره حتى وقعت عيناه في عيني فتاة ممشوقة القوام كانت تنظر إليه وهي تتقدّم بخطى وئيدة. ما هي إلاّ هنيهات حتى امتثلت أمامه بكل شبابها وشغفها.. ابتسمت له وهي تقول: - أستاذ...؟ بادلها الابتسامة ذاتها وقال: لا تستغرب..أنت كنت أستاذي في المتوسط بالقبة.. زالت علامات الاستفهام الكبير..بينما استطردت: - حبيت نقولك فقط..شكرا..أنا أفتخر بك وأؤكد لك أني أعيش على تلك القيم والمبادئ إلى الآن ولا أزال.. تملّكه شعور رائق وقال لها: - شكرا لك..تعرّفتُ عليك الآن..أرجو أن تكوني في أحسن حال؟ ردّت عليه براحة ظاهرة: - الحمد لله أنا الآن مدرّسة في مدرسة خاصة. بارك لها ما هي عليه بينما قالت وهي تستعدّ للمغادرة: - حينما رأيتك من بعيد شعرت بضرورة أن أسدي لك واجب العرفان والتقدير..شكرا لك على كل ما فعلت من أجلنا..شكرا من أعماق القلب على الورود التي زرعتها في طريقنا أيها الإنسان الرائع..! كان سيقول لها لا شكر على واجب..كان سيقول لها كلاما آخر طالما حفظه في مثل هذه المواقف الدافئة..كان سيقول أشياء كثيرة لكنها انسحبت ببطء وتوارت عن الأنظار في زحمة المشي في طريق الحياة..! أما بعد: إن صرخت بكل قواك، ورد عليك الصدى (من هناك؟) فقل للهوية: شكرا! إن نظرت إلي وردة دون أن توجعك وفرحت بها، قل لقلبك: شكرا! إن نهضت صباحا، ولم تجد الآخرين معك يفركون جفونك، قل للبصيرة: شكرا! إن تذكرت حرفا من اسمك واسم بلادك كن ولدا طيبا! ليقول لك الربّّ: شكرا... محمود درويش