مثلما كان متوقعا، لم تسمح قوات الشرطة للأطباء المقيمين بالاعتصام أمام مقر رئاسة الجمهورية في المرادية بالعاصمة، وقد أقدمت منذ الساعة الحادية عشر والربع بتطويق الأعداد الأولى منهم،التي تواجدت قُبالة المدخل العلوي لثانوية بوعمامة، ورغم الأعداد الكبيرة للأعوان والضباط التي التفت حولهم، إلا أنهم استطاعوا الإفلات من حالة التطويق المضروبة عليهم، وتحركوا في مسيرة، قسّمتها قوات الشرطة إلى ثلاث مجموعات. اعترضت أمس قوات الشرطة بأعداد كبيرة طريق الأطباء المقيمين، المؤدية إلى الساحة المحادية لمقر رئاسة الجمهورية، أين كان مقررا لهم أن ينظموا هناك اعتصاما وطنيا، الهدف منه إبلاغ أعلى سلطة في البلاد برزنامة المطالب المهنية الاجتماعية والبيداغوجية المرفوعة في سياق الحركة الاحتجاجية ، المتواصلة منذ 7 مارس الماضي، وإحاطة مصالح رئاسة الجمهورية بحالة الجمود التي تلازم السلطات المعنية، واللامبالاة المضروبة عليها، وعلى الإضراب الوطني المفتوح الذي قارب الشهرين حتى الآن، وتسبب في خلق معاناة كبيرة للمريض، وفي حالة معنوية غير مريحة للأطباء المقيمين. قوات الشرطة حسب أحد رُتبائها كانت لديها تعليمات فوقية، تقضي بعدم السماح للأطباء المقيمين بالاعتصام أمام مقر رئاسة الجمهورية في المرادية، وبناء عليه سارعت منذ الدقائق الأولى التي سبقت ساعة منتصف النهار، التي هي المنطلق الزمني للاعتصام،إلى تطويق العدد المتواجد، وانهالت عليهم بعمليات الدفع بالقوة الجسدية، وما تتوفر عليه الدروع التي هم مدججون بها، وأرغمتهم بقوة أعدادها على التراجع بعض الشيء إلى أسفل الجهة المقابلة للثانوية المذكورة، وحاصرتهم هناك في شكل مهين، مُتراصّ للجدار المتواجد على حافة الشارع الفاصل بين المرادية ووسط العاصمة، وأرغموا على المكوث هناك لمدة حوالي الساعة،وقد تضاعف عددهم هناك بالتحاق الجميع بالاعتصام، وفي كل هذا الوقت وما جاء بعده، كان الأطباء المقيمون يهتفون بشعارات قوية، متعددة، ندّدوا فيها بالسلطات العمومية ووزير القطاع، وبالقمع الذي سلّط عليهم، وطالبوا رئيس الجمهورية برفع الغُبن عنهم عن طريق تلبية مطالبهم المشروعة المتعلقة بإلغاء الخدمة المدنية، أو إبقائها مع توفير كافة مستلزماتها المهنية والظروف المحيطة بها، وكذا توفير مستلزمات العيش الكريم للطبيب المقيم في الأجر المحترم، والمنزل والنقل، والتمكين من التقية المهنية، وما إلى ذلك. ولما ضاق الأطباء المقيمون ذرعا بقوة الدفع والحالة الاحتقارية التي وُضعوا فيها من قبل قوات الشرطة، اتفقوا فيما بينهم على التحرك في مسيرة سلمية نحو مستشفى مصطفى باشا الجامعي، وحاولت قوات الشرطة التي كانت تتلقى التعليمات من مستويات عليا منعهم من التحرك، وعمدت إلى تطويقهم ومحاصرتهم في ثلاث مجموعات انفرادية، اثنتان منها حُوصرتا بالقوة بحوالي مسافة مائتي متر عن المديرية العامة للوظيف العمومي، والثالثة تمكنت من الإفلات، ولكنها هي الأخرى حُوصرت في أعلى شارع ديدوش مراد، ولم يُسمح للمعتصمين بالتحرك في مسيرة واحدة. وفي خضم المشادات العنيفة التي تواصلت بشكل مُتقطع مع الأطباء المقيمين، تعرض عدد منهم إلى الضرب والتعنيف المُهين، بمن فيهم طبيبات،وفي نفس الوقت تحدث ممثلو الأطباء المقيمين عن توقيف حوالي عشرة أطباء، وفي عين المكان طالبوا بمكبر الصوت وهتافاتهم القوية بإطلاق سراح زملائهم الموقوفين، وأكدوا أنهم لن يتحركوا من هنا إلا بعد التحاق كافة الموقوفين بالاعتصام، ويبدو أن هذا ما تمّ بالفعل قبل تحركهم على امتداد مسافة من الموقع الأول. وما يُمكن الإشارة إليه أن حالة كبيرة من الغضب والتذمر لازمت المعتصمين، وقد ندد ممثلوهم بهذا العنف الذي تعرضوا له، وطالبوا السلطات العمومية الآمرة باستخدامه ضدهم ، لاحترام الحقوق، وواقعية المطالب المرفوعة.