***"على النخبة العربية أن تحرق نفسها•• وقريبا مذكرات حول 18 عاما من الاعتقال" يكشف فنان الأغنية السياسية والملتزمة أحمد فؤاد نجم والذي سينزل اليوم ضيفا على فضاء صدى الأقلام بالمسرح الوطني الجزائري، من خلال هذا الحوار الذي خص به "صوت الأحرار" على العديد من آرائه السياسية والفنية ويتناول قضايا الالتزام في الفن والحياة، كما يشرح الراهن العربي بعين شاعر يستشرف بحدس خارق مستقبل الفنان العربي ورهاناته• حاورته: وهيبة منداس س: بعد غيابك عن الجزائر مدة 25 سنة، كيف وجدتها، وهل استفاقت فيك سنوات محطة النضال السياسي والالتزام الفني؟ ج: لا أستطيع أن أجرّح في الجزائر أبدا، وشعوري وأنا ألمس تراب الجزائر بعد ربع قرن من الغياب هو كمن يولد من جديد وكأنني خارج للتو من المعتقل وقادم إلى حضن من أحب بشوق كبير ولكل أصدقائي وأحبائي وأهلي، فللجزائر في وجداني وقع خاص•• الجزائر قطعة من قلبي ولي فيها ذكريات رائعة لا تنسى• س: هل يمكن الحديث عن أغنية ملتزمة في الوطن العربي؟ ج: طبعا لا، أهم ما يميز المحيط الفني هو التدني، هناك دعارة فنية وفضائيات تروج للدعارة والخلاعة• س: لماذا كل هذه السوداوية؟ ج: لأن الوطن العربي على امتداده ليس بحالة صحية، بل يعاني من ورم وهو الآن في حالة إنعاش وبالتالي كيف في هذه الظروف والمناخ السلبي للإبداع يمكن أن نحقق لأغنية ملتزمة تحمل همومنا لها أهدافها ولغتها• س: لكن لماذا طمس هذا المكون لهوية الأغنية العربية؟ ج: هذا السؤال يجب أن يوجه للنظام العربي ككل، لأنه المتهم الأول، فالمجتمع العربي يعاني التسطيح للقيم وتفريغها، مثلا النظام في مصر منذ 1981 أمنيته الوحيدة هو تخويف وتجويع المواطن المصري البسيط وتسطيحه وإفقاره وإفراغه من قيمه•• ثمة استيلاب! س: هل ما تزال مصر - بعد موقفها من التقتيل في غزة - مركزا للثقافة العربية؟ ج: مصر انتقلت من دورها المركزي في بنية الثقافة العربية إلى مركز للدعارة العربية وأذكر هنا ما قاله الأستاذ حامد ربيع "مصر مكتوب عليها أن تلعب دورين إما القيادة أو القوادة• س: ماذا عن الأصوات التي تحاول الخوض في تجربة الالتزام فنيا؟ ج:لا يوجد الكثير من الأصوات. س: وماذا عن مستقبل الأنظمة العربية؟ ج: يجب إزالة كل الأنظمة العربية• س: بالمقابل أي مشروع سياسي تقترح؟ ج: على الشعوب العربية أن تختار قادتها، الشعب العربي قادر على إبداع نظام سياسي جديد وفرض هويته لكن راهنا الشعب العربي مغيّب ومغلفة يومياته بالخوف والمعاناة• س: وماذا عن تجربة الديمقراطية العربية؟ ج: مجرد شعارات رنانة لتخدير الشعوب، فالكل يشبه نفسه، مثلا باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان دخل الكلب جورج دبليو بوش إلى العراق واستباح دماء العراقيين وثرواتها ودمر آثار حضارة عريقة، كما قتل 1 مليون عراقي، كل ذلك باسم الديمقراطية والجميع يشهد كيف يخطط لنخر النظام العربي واختراقه• س: ماذا تنتظر من الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما؟ ج: هو مجرد "كومبارس" و"دوبلير" لجورج دبليو بوش، لن ينقلب على مصالح واستراتيجيات نظامه "الأمريكي" الذي يديره اللوبي اليهودي وجماعات الضغط اليهودية••• لا أنتظر منه شيئا• س: في رأيك لماذا ترفض مصر فتح معبر "رفح" أمام الفلسطينيين؟ وكيف ترى الدول العربية التي لها تطبيع مع إسرائيل؟ ج: هناك أشياء أبشع من غلق معبر رفح في وجه الجرحى والفلسطينيين وهذا الإجراء أخف الجرائم التي تمخضت عن معاهدات التطبيع المصري مع الكيان الإسرائيلي وهو تطبيع منفرد قام به أنور السادات ومستمر اليوم.. الوطن كله تفكك، وأضيف ماذا استفاد أو يستفيد من تربطه علاقات مع إسرائيل من العرب.. غير لعنة شعوبهم وسينساهم التاريخ ولن يذكرهم بشيء فكما جاؤوا ذهبوا!! س: هل ثمة ما يهدد مصر؟ وهل أنت خايف على مصر ؟ ج: لا لا فمصر لا خوف عليها وقد تعرضت عبر التاريخ للأسوأ لكنها تنجو دوما . س: بعد وفاة صديق دربك "الشيخ إمام" لم نشاهدك في تجربة عمل ثنائي أو جماعي لماذا؟ ج: أنا أكتب القصائد لكن الصوت الذي يحمل نصوصي وهمومها غاب ولم أعثر عليه رغم الإكتظاظ، فالفنانون ليس لديهم الوقت "مش فاضيين" يلهثون ويهرولون وراء جمع المال وأعتقد أن الأغاني التي نسمعها الهابطة المقرفة والتي تروج للدعارة والعري هي المنتشرة وليس التي تسمو بالفن وأهدافه النبيلة .. المشتغلين بالفن لا علاقة لهم بالفن، بل بالدعارة لأنها تدر عليهم الأموال الضخمة و أرى أن الأموال الخليجية والنفط هو سبب فساد الفن. س: لكن هل تأثرت الذائقة الفنية العربية أم قاومت؟ ج: الذائقة العربية لم تتأثر، بل صمدت أمام هذا السيل من الفضائيات لكن الإلحاح والتكثيف لهذا النوع من الأغاني والترويج لها رسخها فماذا بوسع الجمهور أن يفعل أمام الدعارة الفنية فلا مهرب من الفخ. س: الأجواء التي كتبت فيها قصيدتك" شلال الغزاوية"؟ ج: وأنا أتابع لحظة بلحظة مجازر غزة على المباشر وبتلك الكثافة من الدموية وجدت نفسي أكتب القصيدة لهؤلاء الأطفال الشهداء الأبرياء تحت الأنقاض .. نحن لا نستحق هؤلاء الأطفال! س: هل صاحب "البيان" الشهير الشاعر أحمد فؤاد نجم راض على مسيرتك الشعرية؟ ج: كل الرضا، أنا لست متواضعا ولا أدعي التواضع أعرف جيدا أنني شاعر عظيم أثرت في وجدان أمتي وواكبت كل انتكاساتها وأفراحها، وحينما أموت حتما لن أنسى، فثمة من يقول أن هذا الرجل عظيم• س: انتقدت بلذاعة النظام المصري فماذا عن علاقتك به؟ ج: لا علاقة لي بالنظام المصري وبأي نظام عربي، فأنا ضد الأنظمة وأرفض أصلا فكرة أن أنساق نحو قالب معين، وأنظم نفسي وأصبح رتيبا! س: إذن هل أنت من دعاة الفوضوية؟ ج: نعم أنا فوضوي، أطرح بدوري سؤالا هل تستطيع أن توجه العصفور وهو بطبيعته طليق لا يقبل القيود ولا نستطيع أن نقول له أن ينام ويستفيق في أوقات محددة••• طبيعتي ضد الرتابة والقيود التي ينصبها المجتمع علينا مقرفة• س: مستقبل النظام المصري؟ ج: إن شاء الله أسود ككل الأنظمة العربية، الناس في مصر ملت من الجوع و80 مليون مصري اليوم مخنوقون وتائهون، لكن الحل هو بروز قيادة من رحم الشعب المصري لأنني أعتبر أن كل القيادات التي حكمت مصر قد خانت الوطن ماعدا وباستثناء إثنين منذ عام 1982م لأنه منذ بداية ثورة عرابي هناك مثقفان فقط لم يخونا مصر وهما محمد فريد وتوفي في ألمانيا وهو مؤسس الحزب الوطني، وعبد الله نديم الذي توفي بالأستانة والغريب أنهما توفيا في الغربة!! أما الباقي كلهم باعوا وتنازلوا وأذكر أنه حتى الزعيم عرابي رمز الصورة الأولى كتب استرحام للخديوي• س: هل ما تزال النخبة العربية تلعب دورها التنويري؟ ج: أقترح على النخبة العربية أن ترمي نفسها في حفرة كبيرة وترمي على نفسها البترول وتشعل النار فيها لنستريح منها••• أعتقد أن النخبة العربية سبب الكوارث والنكسات• س: لماذا هذا التشاؤم؟ ج:لأن النخبة العربية كان المفروض عليها أن تتركب وتتشكل وتنبثق من وسط الجماهير••• ولو نظرنا بعمق في الوضع السياسي للوطن العربي ستجدين أن النخبة في حوار وجدل دائم مع السلطات، بينما تهمش الجماهير ويغيّب صوتها، وسؤال حول ذلك لو أن صدام حسين اختبأ داخل صفوف الشعب العراقي فهل ستتمكن الآلة العسكرية والاستخباراتية الأمريكية من القبض عليه؟ طبعا لا فهو لم يلجأ إلى الإختباء عندهم لأنه عذب الشعب العراقي وذبحه وكانت النتيجة أن أخرجوه من القبو مثل الأرنب. ج: بعد الشعر قررت أخيرا أن أكتب نصا مسرحيا عن إنشاء مدينة القاهرة تشبه ألف ليلة وليلة أنهيت من رسم هيكلها السردي العام وسأمضي قريبا في كتابة تفاصيلها وإنهائها. س: ماذا عن مذكراتك ؟ ج: أصدرت الجزء الأول والثاني وأنا أعكف حاليا على كتابة مرحلة مفصلية في حياتي تتعلق ب 18 عاما قضيتها في المعتقلات والسجون وسأكشف فيها عن حقائق مثيرة و" بلاوي " كبيرة تؤرقني . س: ماهو أسود يوم عشته خلال ال 18 عاما داخل المعتقلات؟ ج: ربما سأفاجئكم، هو اليوم الذي توفي فيه جمال عبد الناصر حيث أن أمي - رحمها الله- وهي إمرأة فلاحة أمية جاءت لزيارتي بعد أيام من وفاة عبد الناصر وأنا في المعتقل فلمحت أن عينيها متورمتان وفيهما احمرار فسألتها لماذا يا أمي فأجابتني لقد مات "الريس عبد الناصر" فسألتها "كيف يا أمي تبكين على من اعتقل ابنك وعذبه "فأجابتني "أنت تافه ده عمود الخيمة وقع" وهذا أصدق تعبير عن موت عبد الناصر . س: بماذا تشعر حينما تتهم مصر بالعمالة لإسرائيل ؟ ج: ليست مصر بل النظام المصري وهنا يكمن الفرق، ليس هناك نظام عربي ليس عميلا لإسرائيل وليس النظام المصري فقط.. ومن يتهم مصر بالعمالة "يقطع لسانه" لأن الشعب المصري قدم في سبيل القضية الفلسطينية 200 ألف شهيد ومستعدة لتقديم المزيد من الشهداء اليوم . س: كيف تابعت كشاعر حساس صور الدمار والموت في غزة؟ ج: لم أتزحزح عن التلفزيون للحظة واحدة ولا أنام وكنت أذرف الدموع الغزيرة على الأطفال والنساء والشيوخ ممن استشهدوا حتى أن زوجتي "أم زينب" ولكي تخرجني من حالة الحزن والفجيعة تطفئ التلفاز وتطلب مني أن أستريح . س: القدس عاصمة للثقافة العربية 2009 بعيدا عن القدس وغياب المكان؟ ج: أقترح أن تحتضن الجزائر هذه التظاهرة لأنها أرض الشهداء وغزة أرض الشهداء.