الحديث مع الروائي الطاهر وطار شيق ومتشعب، التقيناه بباريس أين يقيم مؤقتا للعلاج، ورغم ملامح التعب البادية عليه، أبى إلا أن يخصنا بهذا الحوار الذي تطرق فيه إلى جملة من القضايا بصراحته المعهودة• بداية، عمي الطاهر، كيف هي حالتكم الصحية؟ +حالتي الصحية على كل حال هي في تحسن مستمر، مع أن العلاج، حسب الأطباء، سيدوم ستة أشهر وبالتالي فإن النتيجة الحاسمة ستعرف في النهاية، على كل فإن الأطباء متفائلون وأنا أيضا متفائل، أواجه الأمر بشجاعة وصبر ورحابة صدر، مضطربا أو منزعجا، ولم أفشل عندما أخبرني الأطباء بإصابتي بهذا المرض الخبيث أو العضال -كما يقال- وقد نصحني الجميع بالعلاج الكيمياوي هنا بباريس وأنا أيضا كنت أميل إلى هذا الرأي لأنني أعرف الوضعية الصحية في بلادنا وأعرف سوء التحكم في الآلات الحديثة والنقص الفادح في التجهيزات العصرية المتطورة، ففي مستشفى باشا ينتظر الناس من ثلاثة إلى أربعة أشهر للعرض على جهاز سكانير بل إن الموضوع الذي ثبت عليه الجهاز غير لائق فهناك تيار هوائي وأشغال وغدو ورواح وناس يدخلون بدون مواعيد، بالوساطة، وربما بأشياء أخرى وهذا بعدما يقرب عن خمسين سنة من الاستقلال، لا نملك مستشفى يستطيع تلبية أبسط حاجيات المواطن ويضطر المريض لأن يسافر إلى فرنسا أو إلى تونس للعلاج في الوقت الذي يوجد فيه خمسة آلاف طبيب جزائري يعملون بفرنسا من ضمنهم اختصاصيون وكبار جراحين لم تسمح لهم الظروف إبراز كفاءاتهم بالجزائر• أكيد أنكم تتلقون اتصالات يومية للاطمئنان على حالتكم؟ +نعم، تتصل بي إبنتي مرتين أو ثلاثا في اليوم عن طريق "الويبكام" كما أتلقى اتصالات من طرف العشرات من الأصدقاء، بل هناك زملاء افترقنا من أيام الدراسة وإذا بي أفاجأ بهم يراسلونني للاطمئنان على صحتي، كما زراني هنا جمع من الكتاب والصحفيين من بينهم واسيني الأعرج وحرمه، بالإضافة إلى محمد حربي وبرهان غليون والشاعر عمر مرياش، الطيب ولد لعروسي، محمد الزاوي وكذا صلاح صلاح عضو الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كما أتلقى إتصالات من الأردن، من الدوحة، من المغرب••• ومن كثير من الأدباء والكتاب في مختلف العالم العربي، هذا ما يدل على سيرتي الحسنة وعلى أنني لم أرتكب ما يسيء للناس وهذا ما يبعث في نفسي راحة البال والضمير• كما لا أنسى أيضا اتصالات عبد العزيز بلخادم وأحمد أويحيى وخليدة تومي وزيرة الثقافة، علما أن مدير الديوان بوازرة الثقافة تفضل مشكورا بمرافقتي ولم يغادر باريس إلا بعد إتمام جميع إجراءات إقامتي هنا من أجل العلاج• مؤخرا زار صديقكم الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم الجزائر، هل أثر فيكم أنكم لم تكونوا هناك؟ +تمنيت لو كنت هناك لأنه صديق منذ سنوات طويلة، لكن للأسف الشديد فالذين ضيفوه احتكروه وجنبوه دخول الجاحظية على الأقل ليشرب الشاي، وبالمناسبة فالشاعر أحمد فؤاد نجم اتصل بي هو أيضا ليطمئن على حالتي• تابعتم دون شك أطوار العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، ما هو تحليلكم لما وقع؟ +العرب القريبون من غزة (دول الطوق وغيرها) متواطئون مع إسرائيل وكانوا ينتظرون تصفية حماس لأن وجود حماس ونجاحها يفتح شهية الإسلاميين في كل مكان من العالم العربي وهم مقموعون بشكل أو بآخر في جميع الأقطار العربية وأكيد أنهم حزنوا لأن قيادة حماس لم تصب بأذى وظلت صامدة• لقد تنازل العرب عن فلسطين ووضعوا حركة فتح ومنظمة التحرير في خانة الاستسلام، فإسرائيل تضرب في الضفة الغربية وتعتقل من تشاء وبعض إخواننا الفلسطينيين يعانقون الإسرائيليين وهم فوق ذلك يهزؤون من صواريخ المقاومة والخلاصة أن العرب شطبوا كلمة المقاومة من قاموسهم ولازالوا ينتظرون ما تعطيهم إسرائيل من فتات من خلال مفاوضات لا تنتهي• أعتقد أن إسرائيل انهزمت في عدوانها الأخير على غزة وهي خطوة نحو التعامل مع هذا الكيان بما يجب أن يتعامل معه، فإسرائيل الآن تفاوض وتطالب بهدنة ومستعدة لإطلاق سراح مئات الأسرى من بينهم شخصيات معروفة كمروان البرغوثي ورئيس البرلمان الفلسطيني وذلك مقابل الإفراج عن جندي إسرائيلي واحد، للأسف فإن إخواننا في فتح ومنظمة التحرير لا يريدون أن يفهموا أن أوسلو انتهت فهم لا يزالون متشبثين بالسراب• أثناء العدوان برزت بعض الأقلام العربية التي أيدت صراحة العدوان الإسرائيلي إلى درجة أن وزارة الخارجية الإسرائيلية أدرجت مقالاتهم ضمن موقعها على الأنترنت، أذكر من بين هؤلاء فؤاد الهاشم وعبد الرحمان الراشد وطارق الحمي وغيرهم ما تعليقهم؟ هؤلاء هم لسان حال السلطة والصحافة العربية كلها دون استثناء رهينة بأيدي سلطات بلدانها، على كل أنا أفضل صراحة فؤاد الهاشم على نفاق البعض، الصراحة أفضلها على دموع التماسيح الكثيرة• أضيف في هذا الباب أن الهوة بين حماس وفتح ليست هوة سلطة أو اقتسام غنيمة أو ريع إنما هي النظرة لمستقبل القضية الفلسطينية، فلسطين المقاومة أم فلسطينأوسلو، ومهما حاولت بعض الأطراف فلا يمكن إطلاقا رتق العلاقات بينهما• لنعد إلى الجزائر، كيف تنظرون إلى العلاقات الجزائرية - الفرنسية في ظل مناداة البعض في الجزائر بتعويض ضحايا التجارب النووية إبان الحقبة الاستعمارية؟ +أعتقد أن تحسن العلاقات بين فرنساوالجزائر واعتذار فرنسا للجزائر إذا ما تم، فإنه سيخدم حزب فرنسا عندنا، لأنه يكون قد أزال كل العقبات أمام فرنسة الجزائر، أنا شخصيا أدعو الله صباح مساء ألا تعتذر فرنسا وألا تعوض أحدا، لأن ذلك يعطي حجة لحزبها في الجزائر للقول بأننا أصبحنا إخوة• هل يمكن أن تتصور أن مطار دولة ذات سيادة تسيره دولة مستعمرة لها سابقا؟ هل يعقل أن يسير شركة المياه فرنسيون وممكن أن يضعوا عقارا في هذا الماء لقطع دابر هذا النسل الذي يزعجهم؟ هل يعقل أن نضطر في كل مرة لإرسال أبنائنا للعلاج في فرنسا؟ وهل يعقل أن نكون أبناءنا ونجعلهم في خدمة الآخرين؟ نحن على أبواب استحقاق رئاسي في ظل دستور معدل لا يضع حدودا أمام تعدد التعهدات الرئاسية، ما موقفكم؟ +أنا موقفي أعلنت عنه السنة الماضية وهو أن العهدة الثالثة أو الرابعة أو العاشرة لا تهم إذا ما توفرت الظروف اللازمة لانتخاب شفاف، نزيه وديمقراطي، يكون فيه الجميع سواء في كل المجالات ويكون الشعب قادرا على الاختيار الحر• إن الذين يعترضون على العهدة الثالثة هم متخوفون وربما معذورون من انعدام ظروف طبيعية لانتخابات حرة، وعندما نرى تجنيد أحزاب التحالف لخدمة شخص واحد، يتسرب الشك الشديد الى النفس (قال عهدة وربي كبير) علما أن الرئيس الحالي قال أنا أترشح وعلى الشعب أن يختار• في بداية الحوار ذكرتم جمعا من الكتاب زاروكم للاطمئنان عليكم، ألم يكن من بينهم ياسمينة خضرة مدير المركز الثقافي الجزائري بباريس؟ +لا، لم يأت، على كل حال فإن الغائب بعذره، ولكن الواضح أن ل "سي ياسمينة" موقف مني شخصيا، فهو كثيرا ما يذكر كتابا ثانويين ويتجاهلني كما أنه لا يعترف بي أصلا وهذه وجهة نظره، وبالمناسبة فقد برمجنا في الجاحظية محاضرة عبارة عن دراسة أكاديمية لرواية من رواياته وذلك يوم 23 فيفري المقبل وقد راسلناه في هذا الشأن ووجهنا إليه الدعوة فلم يجب، فإما أنه أحد خصوم الكتابة بالعربية وإما أنه أحد الأعداء التقليديين للشيوعيين وقد تكون له أحكام مسبقة عند الكثير من الكتاب خاصة وأن الرجل عسكري تربى على الضبط والربط وتنفيذ الأوامر، ومهما كان الأمر فإن للكتاب والأدباء أحيانا تصرفات شاذة• هل من كلمة أخيرة نختم بها هذا الحوار؟ +كلمتي الأخيرة ستكون عن الجاحظية التي تأسست في مثل هذه الظروف من عام 1989وبالتالي عمرها عشرون عاما وأتمنى أن أقيم احتفالات بهذه المناسبة يوم 25 جوان، تاريخ حصولنا على الاعتماد، فليس من السهل في بلد مثل الجزائر أن تتواصل جمعية عشرون سنة دون انقطاع• على كل، إن لي أمل كبير بأن أكون في الجزائر في هذا الموعد، ذلك كل ما أتمناه، وعموما أنا أفكر في الجاحظية أكثر من تفكيري في نفسي.