لم تشفع استقالة أبو جرة سلطاني من الحكومة ولا الدعوة التي حرّكها عدد من قياديي حمس بمن فيهم وزراؤها في الحكومة إلى إصلاح ذات البين، في إعادة الاستقرار إلى بيت الحركة التي لا تزال تعرف نزيف متواصلا لمناضليها باتجاه ما يعرف ب "حركة الدعوة والتغيير" التي يقودها مصطفى بلمهدي، حيث أعلن عدد من منتخبي العاصمة استقالتهم الجماعية من الحركة متهمين القيادة الحالية ب "الابتعاد عن منهج الوسطية والاعتدال". أعلن 32 منتخبا محليا لعدد من المجالس البلدية والمجلس الشعبي الولائي بالعاصمة استقالتهم الجماعية من صفوف حركة مجتمع السلم، مباركين في المقابل تأسيس حركة الدعوة والتغيير التي اعتبروا بأنهم أصبحوا مناضلين فيها، ولم تتوقف خرجة هؤلاء المنتخبين عند هذا الحد لأنهم وجهوا دعوة صريحة تضمّنها بيان يجمل توقيعاتهم إلى "من تبقى من المنتخبين المخلصين أن ينضموا إلى إخوانهم في حركة الدعوة والتغيير أين يجدون الوفاء للرجال والثبات على المنهج والتجرّد للفكرة والإخلاص لله وخدمة الجزائر". وكال المنتخبون المستقيلون من حمس الكثير من التهم إلى القيادة الحالية للحركة خاصة أمام ما أسموه "الانحراف عن فكر الحركة الأصيل" الذي أسّسه الراحل الشيخ محفوظ نحناح، كما برّروا طلاقهم مع أبو جرة سلطاني من منطلق "الابتعاد عن منهج الاعتدال والوسطية الذي حمل لواءه (الشيخ نحناح)، والتنكّر لهوية الحركة، والتطاول على قانونها الأساسي، والدوس على لوائحها من خلال القفز فوق هياكلها الشرعية المنتخبة من طرف المناضلين..". وأرجع منتخبو حمس المستقيلين قرارهم بالانضمام إلى حركة الدعوة والتغيير التي يترأسها مصطفى بلمهدي إلى السياسة التي أصبحت تنتهجها القيادة الحالية من خلال "إقصاء أصحاب الآراء المخالفة، وتهميش الثابتين على درب الشيخ محفوظ نحناح من رفقائه وأبنائه وتلامذته"، واصفين الخطوة التي أقدموا عليها بمثابة "تبرئة للذمة" أمام الله أولا ثم أمام التاريخ والمناضلين والشعب. وبشأن حركة الدعوة والتغيير التي انضموا إليها أشار بيان الاستقالة، الذي وصل "صوت الأحرار"، إلى أنه "نزكّي مسعاها ونضم جهودنا إلى جهود مؤسّسيها، خدمة للثوابت والمنهج الذي رسمه فضيلة الشيخ محفوظ نحناح، ونعتبرها راية العمل الحقيقية لأبناء وتلامذة ورفقاء الشيخ"، قبل أن يبلغوا مواطني العاصمة بأنهم لا يزالون متخندقين وسيظلون أوفياء وحاملين لهمومهم وقضاياهم وانشغالاتهم رغم انسحابهم من الحركة التي انتخبوا في قوائمها. وتأتي الاستقالة الجماعية لمنتخبي حمس من الحركة على مستوى العاصمة لتؤكد مرة أخرى فشل مساعي الصلح التي تسعى بعض الأطراف من داخل الحركة إلى تحريكها مباشرة بعد استقالة قرار أبو جرة سلطاني من الحكومة، خاصة وأن هذه الخطوة سبقتها استقالة جماعية لمنتخبي الحركة بولاية بومرداس قبل أيام قليلة فقط، وقد استفيد في هذا الخصوص من بعض الأوساط التي تتابع باهتمام تطورات الوضع داخل بيت هذا الحزب أنه رغم التحرّكات الحاصلة لإصلاح ذات البين فإن ذلك لم يترجم حتى الآن إلى اتصالات مباشرة مع جماعة حركة الدعوة والتغيير. إلى ذلك تشير معلومات وصلت "صوت الأحرار" إلى أن المبادرة التي وقف وراءها في الأيام الأخيرة عدد من قياديي حمس المحسوبين بحيادهم عن الطرفين وكذا وزراؤها في حكومة أحمد أويحيى لم تغيّر من الوضع شيئا كونها بقيت مجرّد حملة إعلامية على صفحات الجرائد، كما يعاب على "المبادرة" أيضا أن عددا من الموقّعين عليها محسوبين على أبو جرة سلطاني وهو ما لم يحمّس على ما يبدو جماعة مصطفى بلمهدي على قبولها رغم أنها لم تتلق اتصالات في هذا الاتجاه مما "يسقط نية التحاور من أساسه".