أخذت حادثة تخريب وحرق أجزاء من ورشة أشغال إنجاز مسجد بمنطقة أغريب في تيزي وزو أبعادا خطيرة، حمّلتها جهات عدة ما لا تطيق، رغم بساطتها، خاصة وأنها تزامنت مع حرق وتخريب كنيسة تافات بنفس الولاية فبينما أصر البعض على أن القضية محلية محضة، بل وعائلية أيضا، لا يستبعد آخرون وجود أيد خفية تسعى لتعفين الوضع. وسعيا منا لتسليط الضوء على القضية وأسبابها، انتقلنا إلى عين المكان واتصلنا بكل الأطراف المعنية، حيث لمسنا بصيصا من النور يمكنه أن يقودنا إلى الفصل بين الخيط الأبيض والخيط الأسود في هذه القضية. نفى مدير الشؤون الدينية والأوقاف بتيزي وزو، صايب محند أويدير، أن تكون الوزارة الوصية أوفدت لجنة تحقيق إلى قرية أغريب للتقصي في الأحداث التي عاشتها المنطقة مؤخرا على خلفية هدم جزء من مسجد المنطقة من طرف مواطنين معارضين للمشروع. وأضاف أن السلطات الولائية كانت السباقة إلى احتواء الوضع من خلال تدخل الوالي، حسين معزوز، وتكليف المفتش العام للولاية بمتابعة مجريات الحادثة وتزويده بتقارير مفصلة، التي ما تزال قيد المتابعة سعيا لتهدئة الأوضاع وإيجاد أرضية وفاق بين الطرفين المتنازعين، خاصة وأن القضية أحيلت على العدالة للفصل فيها. وتأسف مدير الشؤون الدينية لما آلت إليه الأمور بقرية أغريب، وقال إنه انتقل شخصيا إلى المنطقة رفقة وفد، حيث عقد اجتماعا تشاوريا بمقر البلدية حضره المتخاصمون دون الوصول إلى حل يرضي الطرفين، حسبه، ما تسبب في تجدد الاشتباكات يوم الجمعة الفارط بين الرافضين للمشروع وأعضاء الجمعية الدينية التي حملها مسؤولية ما حدث، خاصة وأنها لم تشعره بقرارها الخاص باستئناف الأشغال، حيث أكد أنه لم يستشر فيها قبل وبعد بدايتها، وهو ما كان السبب في تجدد المواجهة بين ما أسماهم ب”الإخوة الأعداء”، مؤكدا أن مصالحه تتصدى لكل أشكال العنف والتخريب والتهور، داعيا إلى تنازل أحد الأطراف عن حقه لتهدئة الأوضاع والتحلي بالتعقل، خاصة في ظل ظهور عريضة إمضاءات تضم أزيد من 300 توقيع. وأوضح المسؤول الأول عن قطاع الشؤون الدينية بتيزي وزو أن التقرير الأولى الذي أعده المفتش العام للولاية كشف عن تفاصيل وحيثيات الخلاف بين الجهتين، الجمعية الدينية لمسجد أغريب من جهة، التي قال بشأنها إنها استوفت كل الشروط القانونية في ملفها وكانت تعتمد على الشرعية، غير أنها أخطأت عندما تجاهلت الجهات الوصية ولم تخطرها باستئناف أشغال البناء، وسكان القرية الغاضبون والرافضون للمشروع من جهة ثانية، خاصة وأن المتخاصمين من أبناء الدشرة، بل وأبناء عائلة واحدة، حيث تم تسجيل إقحام أبناء عمومة أنفسهم في النزاع.وقال المتحدث إنه تنقل إلى عين المكان وبعد اطلاعه على الأوضاع عقب سلسة لقاءات اتضح له جليا أن القضية داخلية، بين سكان القرية تديرها أطراف خفية، والتي تأججت بعد إلحاح مجموعة على بقاء مقام ضريح سيدي جعفر هو المسجد، ولو أنه موجود داخل مقبرة وبدون ترخيص رسمي أو حتى إذن شفوي، ليقدم هؤلاء على هدم الضريح وبناء ضريح أوسع على أنقاضه كي تؤدي فيه الصلاة، ما تسبب في هدم عدة قبور كانت داخل الضريح الأول، دون أن يتم احترام الإجراءات القانونية، على خلاف الفريق الثاني الذي يلتمس الطريق القانوني في موقفه، حتى أنه لجأ إلى العدالة ليرفع الإلغاء الذي أصدره رئيس بلدية أغريب، الذي كان بدوره أمضى رخصة البناء بدون وجه حق، ليقوم فيما بعد بإلغائها بتاريخ 30 جوان 2009، ليجد ذات المسؤول نفسه في موقف متناقض، خاصة وأن القضية حولت إلى مجلس قضاء تيزي وزو. وفي انتظار فصل العدالة في القضية، استبعد مدير الشؤون الدينية أن تكون سياسية، رغم كون المنطقة مسقط رأس العديد من الشخصيات السياسية بمنطقة القبائل، حيث يفضل أن يحصر المشكل بين أبناء القرية الواحدة وأبناء العمومة. مير أغريب يودع شكوى ضد والي تيزي وزو ومديرية الشؤون الدينية وكان رئيس بلدية أغريب، المنتمي إلى الأرسيدي، أودع شكوى ضد والي الولاية ومديرية الشؤون الدينية والأوقاف على خلفية الاحتجاجات والكيفية التي اعتمدت في تسليم أرضية المسجد التي جرت وفق الطرق القانونية، حسب صايب محند أودير، وكذا استيفائها لكافة الشروط اللازمة في عملية تسليم أملاك الدولة. وأضاف المتحدث أن الوالي لم يوقع على قرار تسليم الأرضية إلا بقناعة منه بعدم وجود أي اعتراض ولا مانع في ذلك، لتصادف العملية فجأة مقاومة شرسة من قبل رئيس البلدية، الذي حضر منذ الوهلة الأولى عملية اختيار الأرضية وتابعها إلى غاية إصدار رخصة البناء بتاريخ 16جانفي 2008 أمام لجان القرى التي راسلت مير أغريب لإشعاره بخطورة الوضعية، ليتراجع عن مواقفه، بعد ضغوطات يكون قد تعرض لها من أطراف تحاول زرع البلبلة والفتنة بين أبناء البلدة الواحدة، ما جعله يلغي الرخصة بتاريخ 30 جوان 2009. المساندون لمشروع بناء المسجد يرفعون شكوى ضد المير الموقف لم يتوقف عند هذا الحد، بل رفع سكان قرية أغريب بدورهم شكوى ضد رئيس المجلس الشعبي البلدي موجهة إلى مدير الشؤون الدينية والأوقاف، تلقت ”الفجر” نسخة منها، جاء فيها ”نحن مواطني قرية أغريب الذين يساندون بناء المسجد الجديد لقرية أغريب بدائرة أزفون بتيزي وزو، والذي يستوفي الشروط القانونية والشرعية لديننا الحنيف، حيث أن اللجنة الدينية تملك قانونيا كل الوثائق اللازمة والمطلوبة إداريا من جميع مصالح الدولة الجزائرية، من خلال هذه الرسالة نحيطكم علما بالعراقيل المختلفة التي مصدرها رئيس المجلس الشعبي البلدي، الذي يبحث عن مبررات وهمية لإيقاف المشروع، رغم أننا أكدنا مرارا أننا في دولة القانون، ومن واجبه الدفاع واحترام قوانين الجمهورية، لكن للأسف الشديد هذا المسؤول هو الأول الذي تعدى على هذه القوانين، خاصة بإصدار قرار سحب رخصة البناء وتعسفيا، كما نحيطم علما من جهة أخرى بأن مجموعة من المواطنين من نفس القرية قاموا بهدم المسجد القديم الذي يوجد وسط مقبرة ويحتوي بداخله على قبور بهدف ترميمه وذلك بدون أية رخصة، سواء للهدم أو للبناء، ونبش بعض القبور ونقل رفات الموتى تحت أعين هذا المسؤول، الذي لم يكتف بغض النظر، بل قدم ومازال يقدم كل التسهيلات والإعانات لهم”، وختمت الشكوى ب”الدعوة السريعة لإرجاع هذا المسؤول إلى الطريق المستقيم بعيدا عن ميولاته السياسية، حيث يكيل بمكيالين، كأن الجزائر مازالت تعيش تحت قانون الأنديجينا”. مديرية أملاك الدولة تمنح المديرية القطعة الأرضية محل النزاع وباقتراح من مديرية أملاك الدولة، وحسب ما جاء في بيان رسمي صادق عليه الوالي، تحصلت ”الفجر” على نسخة منه، فإن القطعة الأرضية التي خصصت للمسجد محل النزاع وجهت من طرف المديرية المذكورة لصالح مديرية الشؤون الدينية، والمقدرة مساحتها ب986 متر مربع بالمكان المسمى سوق الإثنين ببلدية أغريب قصد إنجاز المسجد، كما أن القيمة التجارية للعقار المعني تقدر بمليونين وأربعمائة وخمسة وستين ألف دج، وأن عملية تسليم الأرضية مرت عبر محضر جمع ممثلين عن مديرية الشؤون الدينية والأوقاف ومفتشية أملاك الدولة لتيفزيرت، حيث كلف كل من الأمين العام للولاية ومدير التنظيم والشؤون العامة ومدير أملاك الدولة ومدير السكن والتجهيزات العمومية ورئيس دائرة أزفون ورئيس بلدية أغريب كل فيما يخصه بتنفيذ هذا القرار، الذي نشر فيما بمجمع العقود الإدارية للولاية.وفي سياق متصل، وحسب التقرير الرسمي الصادر عن الغرفة الإدارية بمجلس قضاء تيزي وزو، تحصلت ”الفجر” أيضا على نسخة منه، فإن القطعة الأرضية تم تخصيصها مجانا لفائدة مديرية الشؤون الدينية والأوقاف بقرار من والي الولاية بتاريخ 7 - 11 - 2007 ، كما تجدر الإشارة إلى أن بلدية أغريب تم إنشاؤها سنة 1985، وقبل ذلك كانت تابعة لبلدية فريحة الأم، لكنه وبتاريخ 14-10-1981 تم إدماج القطعة المتنازع عليها في الاحتياطات العقارية لبلدية فريحة، مع ضمها إلى العقارات التابعة للثورة الزراعية سنة 1973، ليصبح المكان منذ 1985 تابعا لأغريب. إلا أنه وبتاريخ 6-10-2000 قررت البلدية نقل بعض العقارات إلى الوكالة البلدية العقارية، ومنها القطعة محل النزاع المتواجدة بمنطقة سوق الإثنين، والتي منحها والي تيزي وزو لمديرية الشؤون الدينية لإنشاء مسجد قرية أغريب، لكن البلدية وبتاريخ 31-8-2009 التمست إلغاء المقرر بحجة عدم احترام الملكية وخرقها، خاصة بعد أن ضمت العقار إلى أملاك الدولة وإدماجها في الاحتياطات العقارية البلدية، وبالتالي لا يمكن التصرف فيها، لكونها خصصت لغرض آخر، فالوالي تجاوز سلطاته في هذا الشأن ليتم إلغاء الدعوى. مشروع مسجد أغريب مازال قائما في انتظار قرار العدالة وكشف محضر معاينة أجرته المحضرة القضائية لدى محكمة عزازفة، كديد خديجة، تحصلت ”الفجر” على نسخة منه، أنها صادفت وجود أشغال بناء جديدة لدى تنقلها إلى عين المكان، وتتمثل الأشغال في تسطيح الأرضية وإنجاز عملية الحفر للشروع في البناء. وأضاف التقرير أنه تم العثور على مختلف مواد البناء، إلى جانب العثور على لافتة مكتوب عليها ”مشروع بناء مسجد قرية أغريب. وحسب تصريح ممثلي اللجنة الدينية للبلدية فإن أشغال البناء انطلقت بتاريخ 31 ماي 2009 غير أنها توقفت فيما بعد بصفة مؤقتة.