“طالبت بإجراء انتخابات تشريعية ومحلية في نفس الوقت لترشيد صرف المال العام” تطرق رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية، موسى تواتي، في هذا الحوار مع “الفجر”، للعديد من مواضيع الساعة، حيث استهلها بالركود الذي تشهده الساحة السياسية الوطنية قد تكون مصالح أشخاص أكبر من مصالح دولة وراء تعطيل قانون تجريم الاستعمار “السياسيون في رحلة البحث عن إرضاء السلطة وتناسوا انشغالات الشعب” والأسباب التي تقف وراء هذا الركود، بالإضافة إلى تفشي ظاهرة الفساد، التي قال عنها إنها بمثابة مرحلة يتم التحضير لها لانتقال السلطة إلى وجهة أخرى.وانتقد موسى تواتي الهيئة التشريعية الأولى، التي حرمت حزبه من نيابة رئاسة البرلمان، وقال إن “هذا كان منتظرا من هيئة لا تحترم القانون، ويتم تسييرها وفق التحالفات وليس النظام الداخلي المعمول به”، وضرب موعدا للناخبين في استحقاقات 2012، حيث ينوي إحداث المفاجأة، باللجوء إلى استقطاب الكفاءات الشبانية المثقفة وعدم فتح قوائم حزبه أمام الموظفين السياسيين. بداية، ما هو تقييمكم لأداء الساحة السياسية في الظرف الراهن؟ الساحة السياسية تعاني من ركود تام بسبب غياب النشاطات الحزبية، وهذا ما يجعل المواطن يفقد الثقة في المسؤولين السياسيين، ويتأكد أن هؤلاء لا يفكرون في إيجاد حلول لإخراجه من الأزمة، وما يؤكد أيضا أن هذا الفضاء غير موجود، وأصبح الشعب لا يبالي. أما الفئة الحاكمة، فهي تقوم بترويض الطبقة السياسية، وهذا ما شغلها عن مشاكل المواطن، وراحت في رحلة البحث عن إرضاء الطبقة الحاكمة فقط، وتناسى السياسيون انشغالات الشعب. ما هو سبب الجمود والركود الذي تعاني منه الساحة السياسية في نظركم؟ إن هذا الوضع هو نتاج تجارب مريرة أفقدت الطبقة السياسية كل مقوماتها، بحيث هناك العديد من الأحزاب التي كانت تعارض، تفطنت بعد أن اكتشفت استغلال أحزاب أخرى هذه المعارضة والاستفادة منها، وبالتالي وجدت نفسها خارج كل الحسابات، ما جعلها تتخندق ضمن سياسة الحاكم الذي يستغل المال العام لتوزيع خيراته على مجموعة من الأفراد والأشخاص في الهياكل الموجودة، وهذا ما أفقد الفضاء السياسي مكانته، وأصبح الشعب معزولا وبعيدا عن كل الممارسات السياسية، فبعد أن كان ينتظر من ممثليه الاهتمام بانشغالاته، راح هؤلاء يجرون وراء تحقيق مصالحهم الشخصية والذاتية الآنية على حساب المصلحة العامة والدائمة. وماذا عن قضايا الفساد التي شهدتها العديد من القطاعات الاقتصادية في البلاد، وأزكمت روائحها الأنوف؟ أنا على يقين بأن المتسببين في قضايا الفساد، لن تتم محاسبتهم، وسيكون دائما هناك ضحايا من الدرجة السفلى يتم تقديمهم ككباش فداء، وبالتالي سيبقى الفساد متفشيا وسيتطور بأسلوب آخر، أما القراءة التي يمكن القيام بها بشأن هذه الظاهرة، فهي تمهيد لانتقال السلطة، وخلق طبقة جديدة لاستلام السلطة، وسيكون هذا حتما في الآجال القريبة، وإن أردتم أخذ نظرة عن هذا النوع الجديد من السلطة، فما عليكم سوى بالعودة إلى انتخابات التجديد الجزئي لمجلس الأمة، والطريقة التي وصل بها بعض الأعضاء إلى الغرفة العليا، وهي تبين نوع الحكم الذي ينتظر الجزائر مستقبلا. وهل يمكن مواجهة هذا النوع من السلطة؟ إن ما يشغل بالنا وأفكارنا اليوم، هي كيفية تغلغل الحزب أكثر في أوساط الشعب والمجتمع، لوضع حد لمثل هذه التصرفات والإغراءات للمواطن، الذي يبدو أنه استقال من الحياة السياسية، وفسح المجال لمثل هذه الممارسات اللاأخلاقية واللاإنسانية، والتي يبقى الهدف منها استعباد الشعب الجزائري. ذكر رئيس الكتلة البرلمانية للأفانا أن رئيس المجلس الشعبي الوطني، حرم الحزب من مقعد في مكتب البرلمان، كيف كان رد فعلكم؟ أظن أن هناك تخوفا من الجبهة الوطنية الجزائرية، حيث لم نفهم لحد الآن كيف لرئيس كتلة برلمانية لحزب في التحالف، التأثير على رأي مكتب المجلس والمناورة، والدفاع عن خروج حليف له، حيث رفض وجود الأفانا ضمن نيابة الرئاسة، رغم أنه الحزب له أكثر من 25 نائبا، وقبل بتواجد حزبين في المكتب، رغم الفارق الكبير في عدد النواب حيث الأول له 13 نائبا والثاني 16 نائبا. وهل قمتم بإجراءات الطعن في هذا الإبعاد الذي تعتبرونه غير مبرر؟ لقد وصلنا إلى نتيجة، ألا وهي أن التحالفات أقوى من القانون، والهيئة التشريعية لا تحترم القانون، وينعكس هذا على البلد كاملا. فكيف يمكن في مثل هذه الحالات، الحديث عن سيادة البرلمان، وهو أول من لا يحترم القانون، وتصبح المصالح أقوى من القانون، ولا أريد الحديث عن تواجدنا في مكتب المجلس، بقدر ما أريد الحديث عن مبادرات النواب، التي لا تجد الدعم الكافي على مستوى مكتب البرلمان. هل تريدون الإشارة إلى مشروع قانون تجريم المستعمر الفرنسي؟ أخص بالذكر هذا المشروع الذي لم يجد طريقه إلى الجلسة العامة، ولم تقم الهيئة التشريعية بأي مسعى من أجل برمجة هذا المشروع، الذي بادر به عدد من النواب، بل تجاهلت الحكومة الهيئة التشريعية، ولم تكلف نفسها حتى عناء تقديم توضيحات واستفسارات من شأنها إقناع النواب بالعدول عن هذا المشروع. بالنسبة لكم، لماذا ترفض الحكومة هذا المشروع؟ من أجل مصالح، وقد تكون مصالح أشخاص أكثر من مصالح دولة، وسنناضل من أجل أن يكون هذا المشروع قائما، وبالتالي سيكون مشروعا تاريخيا وسياسيا وقانونيا، حتى يكون للشعب الجزائري سيادة تاريخية وسياسية على المستعمر. نعود إلى الجانب التنظيمي للحزب، كيف تجري عملية إعادة الهيكلة؟ بعد الندوة الوطنية التي عقدها الحزب بداية السنة الجارية، تم تسطير برنامج من أجل إعادة هيكلة المكاتب الولائية والبلدية، ونحن اليوم بصدد التحضير لهذه الجمعيات، التي سننطلق فيها بعد شهر رمضان، حيث وضعت الندوة الوطنية برنامج عمل ثري ومتنوع، سيكون بمثابة اللبنة الأولى التي سيتم بها تحضير الاستحقاقات المقبلة. وهل بدأتم التحضير للانتخابات التشريعية والمحلية لسنة 2012؟ نعم، بدأنا التحضير منذ مدة طويلة، وستكون المهمة الأولى تحسبا لهذا الموعد، استقطاب الكفاءات الشبانية والمثقفة، حيث نريد دخول الانتخابات بتركيبة قادرة على رفع التحدي وتؤمن بالنضال والثقافة السياسية للحزب، وهو الطموح الذي نسعى إلى تحقيقه. فبعد عشر سنوات من التواجد في الساحة السياسية الوطنية، توصلنا إلى نتيجة، وهي أننا لا نريد أن يمثل الشعب أشخاص يسعون إلى الوصول من أجل مناصب وظيفية سياسية، ويظهرون الولاء لمن يسدد رواتبهم عوض الولاء للحزب، حيث يوجد العديد من المنتخبين الذين يسيرون وفق مقولة “من يدفع لي هو الذي يحكمني”. طالبتم مؤخرا بإجراء الانتخابات التشريعية والمحلية في نفس الوقت، ترى ما الذي جعلكم تقدمون هذا الاقتراح؟ لو قمنا بالإطلاع على الإمكانيات المادية التي تسخرها الدولة لمثل هذه المواعيد الانتخابية لوجدناها ضخمة جدا، حيث يتم صرف أموال كبيرة من الخزينة العمومية في الانتخابات التشريعية، ومن بعد ذلك الانتخابات المحلية، كما أن بعض الأحزاب تستغل منتخبيها المحليين من أجل التزوير في التشريعيات، في حين تقوم دول متقدمة بتوحيد مواعيد هذه الانتخابات قصد ترشيد النفقات العمومية. ضف إلى ذلك أن المترشحين في التشريعيات لا يمكنهم تغطية جميع مراكز ومكاتب الاقتراع، وبالتالي يمكن أن يكون تضافر الجهود بين المرشحين للبرلمان والمترشحين للمجالس البلدية، بتقاسم نفقات الحملة الانتخابية والمراقبين وكذا الاستعانة بالمناضلين. وكيف ترون حظوظ الجبهة الوطنية الجزائرية في آفاق انتخابات 2012؟ لو قارنا أنفسنا بما قدمناه، فإن خطابنا أقرب من الواقع الجزائري، وأبناؤنا من عمق المجتمع الجزائري، وحظوظنا أوفر، كوننا لم نمارس مسؤوليات، ولم نكن في السلطة ولم نخطأ في حق الشعب، وإنما نحن ضحايا تلك الأخطاء التي ارتكبها غيرنا، وبالتالي سنقوم بمجهودات كبيرة من أجل تحقيق نتائج إيجابية، تسمح لنا بالاهتمام بانشغالات المواطنين. لا يمكن أن نختم الحوار دون الإشارة إلى البيان الذي صدر عنكم، والذي انتقدتم فيه استيراد اللحم من الهند؟ (يضحك قليلا ثم يجيب): عملية الاستيراد هذه مشكوك فيها كباقي العمليات التي شهدتها الجزائر من قبل، فبعد لحم أستراليا، جاء دور لحم الجاموس الهندي، الذي نجهل حتى الظروف التي تم فيها الذبح وتخزين وشحن هذه اللحوم، والجميع يعلم بأن باكستان انفصلت عن الهند بسبب الإسلام، حيث كان الهنود يرفضون نحر جواميسهم، عكس الباكستانيين الذين يطبقون الشريعة الإسلامية بالذبح. أظن أنه كان من المعقول أن يتم جلب اللحم السوداني المعروف بجودته، بالإضافة إلى أنه بلد مسلم، وأقرب مسافة، وبالتالي لا خوف على تلك اللحوم.